174

قد رأيت رأيا ، قال : هاته. قال : اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية ، فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده في عنقه بيعة ، وأسلم له هذا الأمر ، واكتب إليه بالخلافة.

فقال له جرير : أكتب ما أردت ، أكتب معك.

فكتب معاوية بذلك إلى علي (ع). فكتب علي إلى جرير :

أما بعد ، فإنما أراد معاوية ألا يكون لي في عنقه بيعة ، وأن يختار من أمره ما أحب. وأراد أن يريثك ويبطئك حتى يذوق أهل الشام ؛ وأن المغيرة بن شعبة قد كان أشار علي أن استعمل معاوية على الشام وأنا حينئذ بالمدينة فأبيت ذلك عليه ولم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا ، فان بايعك الرجل ، وإلا فأقبل ، والسلام.

فلما انتهى الكتاب إلى جرير أتى معاوية فاقرأه الكتاب وقال له : يا معاوية ، إنه لا يطبع على قلب إلا بذنب ، ولايشرح صدر إلا بتوبة ، ولا أظن قلبك إلا مطبوعا عليه ، أراك وقد وقفت بين الحق والباطل كأنك تنتظر شيئا في يد غيرك.

قال معاوية : ألقاك بالفصل في أول مجلس إن شاء الله.

فلما بايع أهل الشام بعد أن جربهم واختبرهم ، قال يا جرير الحق بصاحبك! وكتب إليه بالحرب ، وكتب في أسفل الكتاب شعر كعب بن جعيل :

أرى الشام تكره أهل العراق

وأهل العراق لهم كارهونا (1)

« الإمام علي يختبر الفريقين .. »

ولما عزم أمير المؤمنين (ع) على المسير إلى الشام دعا رجلا فأمره أن يتجهز ويسير إلى دمشق ، فإذا دخل أناخ راحلته بباب المسجد ولا يلقي من

Page 175