المجموعة الثالثة تدور حول مستقبل المناطق القطبية في المجالين الاقتصادي والسكني، وليس المقصود هنا استغلال الموارد التعدينية التي بدأت تظهر وتحتل مكانة واضحة نتيجة الأبحاث الجديدة، ولكن المقصود أيضا إمكانية الحصول على موارد غذائية تنتج داخل العالم القطبي لتدعم سكن أعداد من البشر أكبر بكثير مما هو عليه عدد سكان هذا العالم في الوقت الحاضر.
الفصل الثاني
الصفات العامة للعالم القطبي
(1) العالم المعادي للسكن
لا شك أن العالم القطبي هو أبسط العوالم الحضارية والبيئية في العالم أجمع من الناحيتين الطبيعية والبشرية، والنشاط الاقتصادي في هذا العالم محدود جدا نتيجة القسوة الظاهرة في الظروف الطبيعية العامة المسيطرة على الإقليم، كذلك فإنه قد ترتب على ذلك أن أعداد السكان ضئيلة للغاية لتسيطر عليها أنماط معيشة شديدة الإمساك مما يضطر السكان إلى أن ينتشروا في مساحات كبيرة للحصول على ما يسد أودهم.
ولهذه الأسباب فإن الكثيرين من الجغرافيين والإنتروبولوجيين يرون أن العالم القطبي هو أكثر العوالم التي تظهر فيها سيادة الظروف الطبيعية على الإنسان.
وبالفعل يظهر العالم القطبي لغير سكانه على أنه عالم تتضافر فيه كل العوامل الأيكولوجية لتعادي السكن البشري إلى أكبر حد، فإن هذا العالم لا توجد فيه إلا سهول خالية من الأشجار ومغطاة بالجليد معظم السنة، أو جبال وهضاب عالية تكسوها غطاءات الجليد الدائم، وحتى مياه هذا العالم المتمثلة في المحيط الشمالي والبحار المختلفة التي تكون جزءا من هذا المحيط تتغطى بالجليد الدائم في معظم أجزائها، وتتعرض للجليد الطافي المتحرك في كل أرجائها، وبرغم كل هذا فإن الإنسان الذي سكن المناطق القطبية قد استطاع أن يطور شكلا بسيطا من أشكال الحياة متفقا تماما مع أيكولوجية الجليد، وهذا الشكل البسيط من الحياة مرتبط باختيار ضيق جدا في مجالات التفضيل والاعتبارات البشرية، مما أدى إلى وجود نمط أو اثنين من أنماط الحياة البشرية الاقتصادية ينتشر على مساحات هائلة من الأرض، وهذا النمط أو الآخر من أشكال الحياة أصبح - نتيجة الاختيار الضيق - قالبا يلتزم به الناس، ولا يمكن استحداث تغيرات فيه إلا بواسطة المبتكرات العلمية الحديثة التي وفدت إلى الإقليم من خارجه.
ولهذا فإن قوالب الحياة والنشاط الاقتصادي في العالم القطبي، قد ظلت دون تغيير لآلاف السنين، وتصبح دراستها هي دراسة حقيقية للتفاعل البسيط الحاصل بين الإنسان وقوى الطبيعة، فيستطاع التعرف إلى صورته الأصلية التي كان عليها عند بداية نشأة الإنسان الحديث على سطح الأرض. (2) أقسام العالم القطبي وحدوده
نظرا لاتساع الإقليم القطبي اتساعا هائلا، فلقد نجمت عن ذلك اختلافات محلية بين شمال النرويج وسيبيريا، وبين ألسكا وجرينلاند، ومن ثم نجد تغيرات محلية في طرق صيد الأحياء البحرية أو استخدام الحيوان - الكاريبو والرنة - أو في طريقة صنع الأسلحة وغيرها من الأدوات من مجموعة إلى مجموعة أخرى، ومن مكان إلى آخر.
لكن مجموع هذه التغيرات تؤدي إلى إمكان تقسيم العالم القطبي إلى منطقتين رئيسيتين: (1)
Unknown page