Cala Difaf Nil
على ضفاف النيل: في عصر الفراعنة
Genres
وكثرت الأهرام في عهد الأسرات الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة. أما الغرض من بنائها فكان حفظ أجساد الموتى؛ لأن المصريين القدماء كانوا يؤمنون باليوم الآخر وبالبعث بعد الموت، غير أنهم كانوا يعتقدون أن الأجساد إذا فنيت عذبت الأرواح وقضي عليها؛ فكانوا لذلك يعمدون إلى تحنيط أجسادهم، فينقعونها في ماء النطرون، ثم يستخرجون الأحشاء والأمعاء ويحشون مكانها التوابل والعقاقير المختلفة، ويصمغون الجلد عدة مرات، ثم يلفونه بالأربطة، ويودعون تلك الموميات - الأجساد المحنطة - بطون تلك القبور الهائلة؛ حتى لا تصل إليها يد العبث أو الفناء.
الأهرام معجزة الدهر
هلم نحاول التغلغل وسط ضباب ثمانية وأربعين قرنا؛ لننظر «خوفو » مؤسس الأسرة الرابعة يبني هرم الجيزة الأكبر.
ها هو طريق طويل معبد بين المحجر، وبين اثني عشر فدانا هي قاعدة الهرم ، انظر كيف يدحرج عشرات الآلاف من العمال الحجارة المنحوتة على أساطين من الخشب. إنهم يصلون إلى مكان الهرم حيث يعمل البناءون. انظر كيف يلصق البناءون الحجارة المصقولة بواسطة تفريغ الهواء، وكيف يشرف المهندسون على العمل. ها هو ذا «رع» إله الشمس ينحدر إلى الأفق، وها هم العمال يغربون معه إلى ثكناتهم التي أعدها لهم الفرعون ليستيقظوا عند شروق «رع»، ويبدءوا من جديد خدمة خوفو الإله الأصغر. انظر! ها هم العمال يروحون إلى حقولهم في مبدأ الشتاء ليزرعوا الأرض، وها هم يعودون إلى العمل وقد غطى فيضان النيل الحقول. إن الهرم يعلو عاما بعد عام والعمال يهيلون حوله التراب ليدحرجوا فوقه الحجارة، لقد وصل البناءون إلى القمة. إنهم الآن يطلون الهرم ببياض من المرمر المسحوق. إنهم يزيلون التراب ويطلون الهرم من أعلى إلى أسفل. لقد مرت ثلاثون سنة منذ بدئ في عمل الهرم. لقد تم بناء الهرم الآن.
ونحا «خفرع» و«منقرع» في بناء هرميهما الأوسط والأصغر نحو خوفو، فلا تصدق ما تقوله اليونان على خوفو وخفرع ومنقرع؛ إنهم ينقمون عليهم إدارتهم تلك الأعمال الفنية الهائلة. «السيدة نفرت» من أميرات القصر الملكي في عهد الأسرة الرابعة، وترى الحياة تكاد تجري في جميع أنحاء التمثال الرائع؛ مما يدل على أن الفنون الجميلة وصلت في عهد بناة الأهرام إلى حد لا يجارى (عن تمثال بالمتحف المصري).
إنهم يحسدون المصريين على حذقهم فنون البناء والهندسة والطبيعة والفلك، التي استلزمتها إقامة تلك الأهرام الهائلة. أليست هي معجزة الدهر الخالدة؟!
بصيص من الديمقراطية
دعك من أن الأسرة الخامسة تدهورت في عهدها الملكية، وزاد نفوذ حكام المقاطعات، واسمع ما يقوله «بتاح حتب» - أول فيلسوف في العالم - مخاطبا الرؤساء والأمراء:
إذا وليت أمر قوم فلا تتحكم في أعناقهم بظلم، ولا تسع في سلب نعمتهم؛ فإن الخير يذهب عنك بقدر ما تذهبه عنهم ... وكن عادلا؛ فإن العدل يضمن لك الفوز في الحياة؛ لأن له صولة تدوم وتبقى في الأرض ... وإذا كنت رئيسا فعامل من هم أقل مرتبة منك برفق ، واعلم أن مرءوسك هو ساعدك وعضدك، وأن التشدد في معاملته يجعله يخفي عنك ما يفيدك العلم به ...
أليست هذه بذور الديمقراطية؟!
Unknown page