قال قائل منهم: احذروا الفتنة أيها الجند، فما أرى السلطان قد قدمكم في الصف الأول إلا إقرارا بشجاعتكم، وعرفانا بما اكتسبتم من الخبرة في الحروب وطول المراس، وإنكم لجديرون إذا غلبتم بأن تكون لكم وحدكم الغنيمة دون من وراءكم من الجلبان ...
ولكن ذلك القائل لم يكد يفرغ من حديثه حتى غرق صوته في ضجة صاخبة، قد انبعثت من كل جانب، يستنكرون دفاعه ذاك ويعبرون بالضجيج عن سخطهم على خطة السلطان، فقد وقر في نفوسهم منذ سمعوا الكلمة الأولى أن السلطان الغوري لا يقصد بهم إلا الشر.
وهمس مملوك منهم في أذن صاحبه: أحسبني قد عرفت من قالها وماذا أراد؛ فما هي إلا دسيسة عثمانية أرسلها في الجند خاير بن ملباي على لسان مملوك من مماليكه لأمر قد بيته بليل!
قال صاحبه: صه! هذان خاير وجان بردي الغزالي يتفقدان الجند.
الفصل الحادي والثلاثون
الثأر
هل كان سليم ابن عثمان يعبئ جيشه لحرب الصفوية أو للغارة على بلاد مصر؟
وهل كان مقدم الغوري في جيشه ذاك؛ ليحاول الصلح بين ابن عثمان والصفوي - كما زعم - أو ليتأهب للدفاع عن حدود بلاده؟
ذانك هما السؤالان اللذان كانا يترددان على شفاه العسكرين في تلك الأيام الشداد، وكان الغوري والسلطان سليم يحاول كل منهما أن يخدع صاحبه ليخفي عنه مقصده حتى يستكمل أهبته، ولكن الجواب الصريح لم يلبث أن جاء الغوري على لسان سفيره مغل باي، حين عاد من بلاد ابن عثمان حليق اللحية خلق الثياب على رأسه طرطور، وتحته حمار هزيل لا يكاد يقله، وكأنما لطمه السلطان سليم لطمة أطارت لحيته وعمامته، ورده إلى مولاه كسيرا يحمل إليه نذير الحرب.
وكان الموعد مرج دابق على مسيرة يوم شمالي حلب.
Unknown page