نيات صالحة وآراء طيبة. بيد أني إذ أراها مؤكدة المرة بعد المرة أن السعادة في حسن الأخلاق يخطر لي أحيانا أن أقول: كلامك يا سيدتي على الرأس والعين، لكني لا أراه متطابقا والواقع. الشعر الأخلاقي غير الشعر الغزلي؛ هذا يلقي إلينا بما شاء من العواطف والخيالات والأماني فيروقنا ونطرب له. أما الشعر الأخلاقي فشيء آخر؛ إنه يلقي علي درسا ويختط لي طريقا. فلي الحق أن أناقشه إذا هو لم يفلح في إقناعي بقوله إن السعادة في حسن الأخلاق وفي صيانة النفس وفي حفظ اللسان، إلى آخر ما يسديه إلي من النصائح. فهاك إنسانا صالحا لم يجن إثما، ولا يؤذي أحدا. ويعبد الله ويسالم الناس، ويتكل على ذاته في العمل ليل نهار متبادلا وإخوانه البشر منافع العمل وحسناته. ورغم كل ذلك فهو ليس بسعيد، في حين فلان، وهو سيء الخلق لا يراعي في معاملته ذماما، ولا كرامة، ولا عدلا، ولا حقا، فهو مع ذلك سعيد تبسم له الدنيا ويساعده الحظ في جميع شئونه. ثرثار، طويل اللسان، طويل اليد، الاغتياب دأبه، والنفاق ديدنه، وبرغم ذلك فالناس له مصادقون وأوفياء يعزونه ويكرمونه ويهابون جانبه. فكيف أهتدي إلى الصواب وسط هذا التناقض المبين؟ علام يرغد المنافقون والدساسون حولي، وأنا من الرغد والطمأنينة محروم؟ وأولئك الذين يمزقونني بافترائهم وتطاولهم، ترين بماذا أجيبهم وكيف أعاملهم؟
عبثا نلقي على شاعرتنا هذه الأسئلة، إنها لا تعطي عنها جوابا. بل تحدثنا عما تفعل هي عندما تتألم من مثل ما يؤلمنا وكيف أنها اتخذت من النوائب وسيلة للتشدد والتقوي والتغلب على النفس المتوجعة وعلى العالم الظالم:
كم قابلتني ليال ريحها سحر
بطيئة السير ترمي بالشرارات
لاقيتها بجميل الصبر من جلدي
وبت أسقي الثرى من غيث عبراتي
كم أقعدتني أيام بصدمتها
وقمت بالعزم مشهور العنايات
وأما كلام الناس، أغبياء كانوا لا يدركون فضلها أم كانوا حسادا يتحرقون من تفردها، فإنها تحتمله بتجلد وأدب، ولا تشكوهم لأحد؛ لأنها لا تجهل ما يصطنعونه من اهتمام في الظاهر وهم في سرائرهم غافلون أو مبتهجون. وإن هم من تلقاء أنفسهم تعلموا عندها الاهتمام والعطف أو جاهروا باللوم والنقد تظاهرت هي بالرضى وحدثتهم عن «ابتهاجاتها»:
وكم حليفة سعد إذ تعنفني
Unknown page