وقد أوضح زرارة بن أعين عن نيبته في مذهبه بتصريح البداء فنسب البارئ سبحانه إلى الجهل من أجل شبهة عرضته لئلا يصير البارئ سبحانه طبيعيا وأن أفعاله أفعال الطبيعة فأرادوا إثبات الاختيار له بتصرفه في الأمور فلم يمكنهم ذلك حتى نسبوه إلى الجهل سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا. وقال بعضهم: إنما تبدو له البدوات فيما لم يخبر به ولم يطلع عليه عباده، وتأولوا قول الله تعالى: { يمحوا الله ما يشاء ويثبت } (¬1) .
قالوا: هذه نفس البداء وقالوا: لولا ما اتصف الله سبحانه به من البداء لكان أمره بما أمر به ونهيه عما نهى عنه عبثا وجهلا تعالى عما يقولون علوا كبيرا./
قلنا، والله أعلم: إن البداء والجهل على الله منفيان، وذلك لأن الله حكيم بذاته ولذاته لا بفعله الحكمة كان حكيما فهو حكيم قبل الفعل. وعالم بذاته ولذاته عندنا وعندهم جميعا فعميت عليهم الأخبار في اتصاف البارئ سبحانه بالكمال، فرجعوا إلى أحد الوصفين فأجازوه على الله عز وجل وهو الجهل. وأوسعوا أنفسهم المعذرة في نسبهم إلى الله عز وجل البداء، وهو عين الجهل، أرادوا أن يثبتوا له أمرا فلم يمكنهم إلا بنفي أمور، وما علموا أن الله عز وجل أمر العباد في الوقت الذي يصلح لهم فيه الائتمار، ونهاهم في الوقت الذي يصلح لهم فيه الانتهاء وهو في الحالتين موصوف بالعلم لا بالجهل، وبالحكمة لا بالعبث، وليس بمستنكر في لطف الله استصلاح العباد بما/ علم وأنه صلاح لهم بدليل قول الله عز وجل: { فبظلم ,,,,,,,, كثيرا } (¬2) وبقوله: { ما ننسخ .... أو مثلها } (¬3) . ولا ننسب إليه في الحالتين جهلا ولا عبثا، ونحن نرغب بالجهل عن الله عز وجل كما رغبنا بالعبث عنه، وليس بانقص حال من العبث، وكلاهما عن الله منفي.
فصل
Page 211