شيئان فوق قوى النفوس كلاهما
ردع لها ووقى من الطغيان
اليأس وهو لهن موت أول
والداء وهو لها الحسام الثاني
وفي الحقيقة، فإن عذراء الهند لم تلبث أن غلبتها بوادر اليأس على كل ذلك الثبات، فذهب الصبر عنها وبان، والجلد المدخور ولى وخان، فمرضت فطالت أيام المرض وخفيت أسبابه، واشتكلت أعراضه، وشاع الخبر، وأراب الأمر وتكلم الناس.
وكانت الأميرة واحدة «دهنش»، التي لم يكن يعطى عنها صبرا، ولا يقبل فيها ولا ملك النيل مهرا؛ فكيف إذا علم أنه ابن عدوه الظافر، وخصمه القوي القاهر، الذي لا يدري إن هو خطبها لفتاه، أعطيها عفوا أم أخذها قسرا؟
فكانت كل هاته التأملات تملأ قلب الفتاة مهابة من الأمر، وتجسم بعينيها العواقب، فتستصعب الإقرار، وتشفق من تبعاته، ولا تقدم عليه تاركة والدها الأسيف يشقى ويعذب، ويذهب من مداواتها في غير مذهب، فكلما عرضها على أطباء الهندين حار الأطباء، وخانتهم العقاقير، فيلوي على السحرة فيستفتيهم، فيحيلون على أصحاب الجن، وهؤلاء يبرئون الجن ويتهمون الأفلاك، فيجاء بالمنجمين، فلا يزيدون الملك بالأمر علما.
ثم ما زالت الأيام تتعاقب، والليالي تختلف سودا على ذاك الوالد المحزون، والمرض ما زال، والبنت بحالتها غادية على خطرين، من موت وجنون، إلى أن أخطر بعض الناس على باب الملك شنو أكبر أطباء الصين، وإمام منجميها الراسخين، وكان مغضوبا عليه من ملكه مودعا في السجن من سنين، فتذكر «دهنش» أن شنو هذا كثر ما صدقه الرواية في جسيمات المسائل، وقام له في المهمات، بالخدمات الجلائل؛ فأنفذ إلى صاحبه ملك الصين رسالة يقول فيها:
من «دهنش» سلطان القطرين وملك ملوك الهندين ... إلى ابن السماء وسلالة الخواقين العظماء، ذي الملك الواسع والعرش المكين، الملك تيتو ملك ملوك الصين: أما بعد؛ فإن الملوك بالملوك، وإن العلماء نجوم الإشراق، التي لا تختص بها آفاق دون آفاق، وقد علمت أن شنو إمام منجمي الصين، مغضوب عليه منك مودع في السجن من سنين، فجئتك شافعا له، وطالبا أن تسيره إلي، فإني مستفتيه في علة عذراء الهند التي تشتد بها، وتتهدد أيامها. والسلام.
التوقيع «دهنش» ملك ملوك الهندين
Unknown page