Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Genres
9
ولم يكن يسمح للنساء بوضع أي مساحيق أثناء العمل، وكان يتعين على الأشخاص الذين يعانون من حروق شمسية مصحوبة بتقشر في الجلد البقاء خارج الغرفة النظيفة.
بالإضافة إلى ذلك، كان أي نظام توجيه في حاجة إلى كمبيوتر، لتلقي الإشارات من وحدات بوصلة التوجيه وتحويلها إلى قياسات دقيقة للموضع والسرعة. وكان أي كمبيوتر تناظري سيفي بالغرض، من خلال معالجة الإشارات مباشرة؛ إذ كان يمكن تفادي استخدام كمبيوتر رقمي، وهو أمر كان يحتاج في عام 1954 إلى كمية كبيرة من دوائر الأنابيب المفرغة. ومع ذلك، ظل السؤال هو: هل يجب بقاء الكمبيوتر على الأرض أم يتعين وضعه على متن مركبة؟
كان وضع جهاز الكمبيوتر في قاعدة أرضية يعني أنه سيظل ثقيل الوزن ودقيقا، بمنأى عن الاهتزازات والضوضاء الهائلة التي تحدث في الصاروخ. ولكن، كان من المفترض أن يتبادل الكمبيوتر البيانات مع الصاروخ أثناء تحليقه باستخدام حلقة اتصال لاسلكية، وهو ما كان يتطلب ما وصفه شريفر بأنه «محطة أرضية هائلة عرضة للهجوم». أما وضع جهاز الكمبيوتر على متن الصاروخ، فكان يتطلب أن يكون خفيف الوزن ومتينا، وهو ما لن يجعل ثمة حاجة إلى حلقة اتصال لاسلكية ومحطة أرضية؛ مما سيوفر في الواقع نظام توجيه قائما بذاته، غير معرض للتعطل أو الانقطاع.
وفر نظام التوجيه اللاسلكي نظاما مؤقتا؛ حيث كان أسهل في إنشائه. إلا أن درابر أيد بقوة الاعتماد على الأسلوب الثاني، وهو التوجيه بالقصور الذاتي، وأعارته القوات الجوية قاذفة طراز «بي-29». وفي عام 1949 بدأ في إجراء عمليات إطلاق تجريبية من قاعدة قرب بوسطن، وكان طاقم الإطلاق يقف على مقربة بينما كانت الأجهزة تجري عملية التوجيه. وأظهرت رحلات الطيران التي أجريت لمسافة 1800 ميل، خلال عام 1955، أخطاء طفيفة في إصابة الهدف بما لا يزيد عن ميلين. وكان وزن الأجهزة على متن الصواريخ 2700 رطل، لكنها أثبتت إلى حد كبير ما يمكن تنفيذه. بالإضافة إلى ذلك، استغل درابر كونه أستاذا جامعيا في تكوين «مافيا توجيه» من طلابه السابقين، الذين اتفقوا على أن أسلوبه هو الأفضل، وارتقى كثيرون من هؤلاء الطلاب إلى مناصب عليا ومؤثرة، وكان من بينهم الضابط المسئول عن التوجيه لدى شريفر؛ المقدم بول بلاسنجيم.
كانت عملية التوجيه تمثل مشكلة رئيسية، وكانت ثمة مشكلة أخرى تتمثل في معاودة الولوج إلى المجال الجوي؛ إذ كان من المفترض أن تدخل الرأس الحربية المجال الجوي بسرعة 16 ألف ميل في الساعة، عقب رحلتها الباليستية، وكان يجب أن تحافظ على مسارها لبلوغ هدفها دون أن تحترق عن آخرها مثل النيزك. وفي وقت مبكر يعود إلى عام 1953، أثبت خبيران في مجال ديناميكا الهواء - هما جوليان ألين وألفريد إجرز - من خلال الرياضيات أن المقدمة المخروطية للصاروخ يمكن أن تتفادى الاحتراق الكامل إذا كان تصميمها غير مستدق الطرف. وكان هذا الاكتشاف مفاجئا؛ إذ كانت ثمة رؤية شائعة في ذلك الوقت تنادي بأن تكون التصميمات المخروطية لمقدمات الصواريخ مستدقة الطرف للغاية، بما يشبه الأشكال الإبرية الدقيقة الرأس للمقاتلات النفاثة الحديثة. ولكن، لم تكن ثمة حاجة إلى الشكل المستدق الطرف في الرأس الحربية؛ حيث لم تكن في حاجة إلا إلى درع حراري، ومن خلال هذا الدرع كان الصاروخ سيعاود الولوج إلى المجال الجوي مخترقا إياه بسلاسة مثلما يسير قطار بضائع على قضبان حديدية، وسيعمل الهواء المضغوط الذي يتجمع أمام مقدمة الصاروخ غير المستدقة الطرف، كغطاء عازل وسيحول دون وصول كثير من الحرارة إلى جسم الصاروخ.
مع ذلك، لم تكن هذه إلا بداية فقط، وكان الباحثون في حاجة إلى إجراء تجارب تحاكي عملية معاودة الولوج إلى المجال الجوي مباشرة في مختبراتهم. وفي جامعة كورنيل، قاد عالم الفيزياء آرثر كانتروويتز جهود التطوير باستخدام جهاز بسيط اسمه الأنبوب الصدمي؛ وهو يتألف من غرفة ممتلئة بمادة متفجرة عبارة عن مزيج من الهيدروجين والأكسجين، ويفصلها عن غرفة مجاورة غشاء معدني رفيع، ولها مقدمة مخروطية صغيرة مفرغة من الهواء. وكان إشعال المزيج يؤدي إلى تفجير الغشاء؛ وهو ما يؤدي إلى إرسال دفعة من الغاز عبر الصاروخ بالسرعات ودرجات الحرارة الفعلية عند عملية معاودة الولوج إلى المجال الجوي. ولم يكن تدفق الغاز يستمر أكثر من واحد على ألف من الثانية، لكن الأجهزة ذات السرعات العالية كانت تجري القياسات الملائمة، وهي قياسات تحدد الظروف التي كانت الرأس الحربية تواجهها.
سعت اختبارات أخرى إلى إثبات أن المقدمات المخروطية للصواريخ كانت تستطيع في حقيقة الأمر تحمل هذه الظروف. وفي عدد من أبسط التجارب، وضع الباحثون نماذجهم الصاروخية وسط عادم أحد الصواريخ. ولم تكن هذه الصواريخ ساخنة بما يكفي، وكان ثمة أسلوب أفضل يعتمد على أداة جديدة، هي النفق القوسي، وهذا النفق عبارة عن نفق هوائي تفوق سرعته سرعة الصوت؛ حيث يمر تدفق الهواء العالي السرعة خلال قوس كهربي مشتعل، تكفي شدة تياره لإضاءة مدينة بأكملها. وكانت درجة حرارة الهواء تصل إلى 14 ألف درجة فهرنهايت؛ حيث كان الهواء يتسبب في اندفاع عينات المواد الموجودة بسرعة.
لمعرفة المزيد، رتب الكولونيل إدوارد هول عمليات إطلاق تجريبية على متن صاروخ وقود صلب جديد، هو «إكس-17»، وكان هول قد انضم إلى فريق شريفر بوصفه ضابط دفع، واتفق مع شركة «لوكهيد» على بناء الصواريخ. كانت هذه الصواريخ ثلاثية المراحل، يدفع صاروخ المرحلة الأولى الصواريخ إلى ارتفاع يتجاوز طبقة الغلاف الجوي، وبعد ذلك - بينما تكون الصواريخ في طريقها للهبوط - ينطلق صاروخا المرحلتين الثانية والثالثة؛ مما يزيد من سرعة المقدمة المخروطية إلى أقصى سرعة ممكنة.
أدت هذه التجارب إلى تطوير نماذج أولية أدت بدورها إلى تصميم المقدمة المخروطية في صورة قطعة صلبة من النحاس، كان من المنتظر أن تمتص الحرارة دون أن تنصهر. لكن هذه الدروع الحرارية كانت ثقيلة الوزن؛ مما حدا بجورج ساتن - وهو فيزيائي في شركة جنرال إلكتريك - إلى وضع أسلوب أفضل. وللمفارقة، فقد اقترح ساتن أن تحترق المقدمة المخروطية مثل النيزك، لكن على نحو خاضع للسيطرة، وبدلا من النحاس، استخدمت طبقة خفيفة الوزن من البلاستيك المقوى لتغطية الرأس الحربية. وكان من المنتظر أن يحترق السطح الخارجي ويتبخر خلال عملية معاودة الولوج إلى الغلاف الجوي، حاملا الحرارة بعيدا بدلا من امتصاصها، بينما تشكل الأبخرة الناتجة طبقة واقية باردة. وصارت هذه المقدمات المخروطية «الانفصالية» هي النوع القياسي المستخدم في تصميم مقدمات الصواريخ.
Unknown page