Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Genres
في مختبر الدفع النفاث، كانت خطط إطلاق صواريخ تجارب صغيرة متوافقة تماما مع برنامج الصواريخ الشامل في المختبر. واستهل المختبر تجاربه في أواخر عام 1944 بالصاروخ «برايفت»، وهو صاروخ وقود صلب بارتفاع ثماني أقدام ابتكره جون بارسونز، والوقود فيه عبارة عن مزيج من الأسفلت وفوق كلورات البوتاسيوم. وكان الصاروخ التالي في جدول أعمال البرنامج هو الصاروخ «كوربورال»، الذي يبلغ طوله تسعا وثلاثين قدما، ويزيد مداه على ستين ميلا. اشتمل هذا الصاروخ على نظام توجيه، وانطلق من خلال احتراق وقود سمرفيلد الدفعي، الذي انبعث عنه دخان أحمر من حمض النيتريك والأنيلين. ودفع هذا البرنامج المقترح رئيس أبحاث المعدات الحربية في الجيش، اللواء جلاديون بارنز، أن يسأل فون كارمان عن أقصى رتبة يريد أن يبلغها، وأجابه كارمان قائلا: «بالتأكيد ليس أكثر من كولونيل؛ فهذه هي أكثر الرتب نجاحا.»
لكن، كان تطوير كوربورال يتطلب قفزة كبرى، ورأى مالينا أنه يتعين على مختبر الدفع النفاث تنفيذ برنامج مؤقت، ألا وهو بناء صاروخ وقود سائل أصغر يستخدم أي محرك متوافر ولا يتطلب توجيها. وكان هذا المشروع سيضع الأساس لبناء صاروخ «كوربورال» بالحجم الكامل؛ إذ كان سيحلق أيضا كصاروخ تجارب على ارتفاع شاهق، محققا بذلك الأمل الذي طالما كان يراود مالينا منذ بداية تجاربه في عام 1936. وبعد الحصول على موافقة الكولونيل ترايكل، كان يتعين تحديد اسم للصاروخ الجديد، وكان من المفترض أن يكون أبسط وأكثر إيجازا من مسمى «كوربورال». أطلق طاقم العمل في مختبر الدفع النفاث على الصاروخ اسم «دبليو إيه سي كوربورال»، على غرار سلاح الجيش النسائي (الذي يشار إليه أيضا بالاختصار «دبليو إيه سي»)، على الرغم من أن الجيش أعلن على نحو رسمي لاحقا أن «دبليو إيه سي» تعني «دون نظام تحكم في الوضع».
كان ارتفاع الصاروخ «دبليو إيه سي كوربورال» ست عشرة قدما، ووزنه 655 رطلا عند تزويده بالوقود، وهو ما جعله مساويا تقريبا لحجم صاروخ جودارد الذي صممه عام 1940، لكنه كان أبسط كثيرا؛ حيث لم يكن يتضمن نظام توجيه ومضخات توربينية. ومع ذلك، ففي حين كان تصميم صاروخ جودارد نتاج جهوده الفردية ولم تفلح قط تجربة إطلاقه، كان الصاروخ «دبليو إيه سي كوربورال» نتاج الأبحاث التي أجريت وقت الحرب في كل من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا ومختبر الدفع النفاث. وانطلق الصاروخ على نحو رائع في محاولة إطلاقه الأولى في أكتوبر 1945، وزاد الصاروخ سرعته من خلال الانطلاق بسرعة داخل أحد الأبراج، ثم اعتمد على الزعانف للانطلاق بثبات كالسهم، حيث بلغ ارتفاع أربعة وأربعين ميلا.
لكن، على الرغم من أن الصاروخ «في-2» لم يكن ملائما تماما للاستخدام كصاروخ تجارب، كان الصاروخ «دبليو إيه سي كوربورال» أصغر مما ينبغي، ولم يكن يستطيع أن يحمل أكثر من خمسة وعشرين رطلا من المقذوفات الصاروخية؛ وكان هذا القصور مثار قلق في مركزين من مراكز أبحاث البحرية، هما مختبر أبحاث البحرية ومختبر الفيزياء التطبيقية في جامعة جونز هوبكنز. كانت العلاقة بين مختبر الفيزياء التطبيقية والجامعة الأم تقريبا كالعلاقة بين مختبر الدفع النفاث ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا؛ علاقة مختبر عسكري يعمل بموجب عقد. في مختبر الفيزياء التطبيقية، طلب اثنان من كبار المديرين من عالم في المختبر، يدعى جيمس فان ألن، أن يجري بحوثا على صواريخ التجارب المتوافرة، ويقرر إذا كان ثمة ضرورة لتطوير صاروخ جديد.
أجرى فان ألين سلسلة من التحقيقات قادته إلى شركة «إيروجت»، التي كانت تبني في ذلك الوقت الصاروخ «دبليو إيه سي كوربورال». دعا فان ألين الشركة إلى إعداد عرض، وفي مايو 1946 أبرم مكتب المعدات الحربية في البحرية عقدا مع «إيروجت» لبناء صاروخ تجارب جديد، يسمى الصاروخ «إيروبي». وكان الصاروخ الجديد يشبه الصاروخ «دبليو إيه سي كوربورال» كثيرا، وانطلق من منطقة وايت ساندز أيضا، لكنه كان أكبر إلى حد ما، وكان يحمل 150 رطلا من المعدات لمسافة سبعين ميلا. حققت عملية الإطلاق الأولى، التي أجريت في نوفمبر 1947، نجاحا جزئيا على الرغم من أن الصاروخ اقترب من الارتفاع الذي بلغه الصاروخ «دبليو إيه سي كوربورال». وبلغ الصاروخ في عملية الإطلاق الثانية، التي كانت في شهر مارس التالي، ارتفاع ثلاثة وسبعين ميلا، وأحرز نجاحا كاملا.
بالنسبة إلى القائمين بأبحاث الصواريخ في وايت ساندز، كانت عمليات الإطلاق هذه تمثل لحظات مشرقة في واقع كئيب؛ فلم يكن مركز إطلاق الصواريخ أكثر من موقع بعيد وسط شجيرات الميرمية، ملاصق لطريق سريع من حارتين يمتد عبر الصحراء المترامية الأطراف إلى ألاموجوردو، وكان ثمة كوخ على طراز كوانست استخدم كحظيرة طائرات، وكانت معظم المباني الأخرى عبارة عن ثكنات من طابق واحد، وكان يمكن تفقد أرجاء القاعدة بأكملها في غضون خمس دقائق فقط. كان الطقس حارا عاصفا، وفي بعض الأوقات كانت حصص الطعام تقتصر على الفول والجبن فقط، وكان بعض العاملين يقضون الوقت في لعب البوكر طوال الليل، بينما كان البعض الآخر يعبر الحدود لقضاء ليلة في خواريس. لكن سرعان ما انضم إليهم آخرون؛ إذ كان ثمة مشروع إطلاق صاروخ تجارب جديد في طور التنفيذ، وهو الصاروخ «فايكنج» في مختبر أبحاث البحرية.
اختار ثور برجسترال، وهو أحد العلماء العاملين في المشروع، اسم الصاروخ. وكان الصاروخ «فايكنج» بمنزلة خطوة أولى نحو الأمل الذي كان يراود مختبر أبحاث البحرية في أن تدخل البحرية ذات يوم مجال الصواريخ البعيدة المدى من خلال إطلاقها من السفن. وعلى غرار الطائرات الموضوعة على متن حاملات الطائرات، كانت هذه الصواريخ ستجمع بين مدى انطلاقها ومدى السفن التي تحملها. وضع ملتون روزن - أحد علماء مختبر أبحاث البحرية الذي كان مهتما للغاية بالصواريخ الموجهة - تصورات المشروع، وبدأ جهود استصدار الموافقات اللازمة لتنفيذه. وكان تخصصه في مجال الإلكترونيات، وفي البداية كان لا يكاد يفرق بين صاروخ وحفرة في الأرض (وهي الحفرة التي سرعان ما صنعتها صواريخ التجارب التي كانت تنطلق من قاعدة وايت ساندز). حصل روزن على دورة مدتها سبعة أشهر في ورش مختبر الدفع النفاث؛ حيث تعلم أدوات المجال الجديد من خلال الخبرة العملية المباشرة، وأعطته هذه الدورة معلومات تمهيدية مفيدة؛ لكنه، مثل كثيرين غيره في هذا المجال، كان يتعلم ما يحتاج إليه كلما قطع شوطا.
كان هدفه المبدئي هو حمل خمسمائة رطل لمسافة مائة ميل، وهو ما كان يتطلب تصميم صاروخ يقترب في أدائه من أداء الصاروخ «في-2». بنى الألمان صواريخهم من الصلب الثقيل لتتحمل حرارة دخول الغلاف الجوي وتهبط بسلام دون أن تتحطم، بينما بني الصاروخ «فايكنج» من الألومنيوم لتخفيف الوزن، وكان وزنه خمسة أطنان عند ملء خزان الوقود عن آخره، وهو ما لا يكاد يعادل ثلث وزن «في-2». وفي شركة «ريأكشن موتورز»، قاد جون شستا جهود تصميم محرك الصاروخ، الذي بلغت قوة دفعه عشرين ألف رطل.
فتح «فايكنج» آفاقا جديدة في مجال التوجيه والتحكم. عند تصميم أي نظام توجيه خاص بالصواريخ، كانت ثمة مشكلة دائمة تتمثل في تحديد القيم الملائمة لمعلمات النظام. وأدى أسلوب جديد في التحليل طوره ألبرت هول - وهو أستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا - إلى تيسير إجراء العمليات الرياضية المعقدة؛ وعلى حد تعبير روزن: «استطعنا التنبؤ بما سيحدث» خلال رحلة تحليق فعلية.
من خلال هذا الأسلوب الرياضي أصبح من الممكن التفوق على الأسلوب المتبع في توجيه الصاروخ «في-2» أثناء التحليق، الذي كان يعتمد على غمس أرياش مقاومة للحرارة مصنوعة من الكربون في عادم الصاروخ لتبديده وإخراجه عن مساره، وهو ما كان يمثل إهدارا للطاقة أدى إلى تقليص قوة الدفع في الصاروخ «في-2» بنسبة 17 في المائة. استخدم الصاروخ «فايكنج» محرك صواريخ مزودا بجيمبال، كان يعلق بين دعامات مرتكزة على محور، تهتز بحيث توجه عادم الصاروخ في اتجاه ملائم. وأتاح تحليل هول الإمكانية لحساب ديناميكية الصاروخ ومحركه المزود بجيمبال، وضمان وضع تصميم ناجح. وبعد الصاروخ «فايكنج»، صارت جميع صواريخ الوقود السائل الكبيرة تستخدم المحركات المزودة بجيمبال.
Unknown page