208

Cadd Tanazuli

عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء

Genres

سارت إنجازات رحلات «سبيسلاب» على هذا المنوال. استقطب النمو البلوري قدرا جيدا من الانتباه، وأدت بعض المواد بالفعل إلى إنماء بلورات جيدة. تضمنت رحلة «ديسكفري» في عام 1988، على سبيل المثال، إحدى عشرة تجربة، كل منها كانت تسعى إلى إنماء بلورات بروتين مختلف؛ أنتجت ثلاث منها بلورات كانت أفضل على نحو لافت للنظر من أفضل البلورات التي جرى إنماؤها على الإطلاق؛ فقد كانت أكبر حجما وقدمت بيانات أفضل عن البنية الجزيئية. زادت البحوث اللاحقة التي أجريت على متن رحلات مكوك الفضاء اللاحقة العدد إلى خمسة وعشرين بروتينا، من أصل مائة جرى فحصها، وكانت بلورات البروتين أفضل من أي بلورات على الأرض. لم تسفر الدراسات عن تقديم علاج للأمراض، ومع ذلك قدمت الدراسات اتجاهين جديدين لكنهما متواضعان للبحوث المستقبلية.

كان الاتجاه الأول يتضمن بحوثا تجريبية منهجية تسعى إلى معرفة الأساليب والجزيئات التي يمكن أن يوفر لها انعدام الجاذبية ميزة فعلية؛ كانت هذه البحوث تسعى إلى تحسين معدل الإنماء إلى أكثر من 25 في المائة، مع العلم أن الرحلة الفضائية لم تأت بفائدة تذكر بالنسبة إلى البروتينات الخمسة والسبعين الأخرى التي جرت دراستها. على وجه الخصوص، تمكنت آثار غير ملحوظة من تعطيل عملية النمو البلوري الدقيقة، حتى في الغياب الكامل للجاذبية.

عكس الاتجاه الثاني حقيقة أن رحلات المكوك الفضائي نادرة وتواجه تأجيلات طويلة، فضلا عن ضيق المنشآت وازدحامها ومحدودية الوقت المستغرق في المدار؛ لذا، بدلا من السعي إلى الحصول على بلورات كاملة كمسألة روتينية، كان التركيز يقتضي إنماءها في عدد محدود من المواد، ثم استخدام هذه البلورات لوضع معيار. استطاع المتخصصون في مختبراتهم الأرضية، بعد أن صاروا الآن على علم بما هو ممكن، العمل على تحسين أساليبهم بما يطابق المعيار دون الحاجة إلى السفر إلى الفضاء.

كان من المفترض أن هذه الاستراتيجيات ستعكس العلم كما هو معمول به حقا، لكنها كانت تنطوي على خطر بالنسبة إلى مؤيدي المحطات الفضائية، الذين لم يروجوا بالتأكيد لمشروعهم من خلال إعلان كونه وسيلة أفضل لصنع بلورات البروتين؛ على العكس، كانوا على وشك الجزم بأن البلورات التي جرى إنماؤها في الفضاء، مثل مياه لورد المباركة كثيرا، ستكتسب قوى سحرية تسمح للقعيد أن يسير وللأعمى أن يبصر.

تحدث ريجان، على غرار هؤلاء المؤيدين، عن «عقاقير لإنقاذ الحياة لا يمكن صناعتها إلا في الفضاء». قال كرافت إيريك، وهو خبير صواريخ على قدر عال من الكفاءة، كان قد طور «سينتاور» لكنه لم تكن لديه أي خلفية أو معرفة متخصصة بالبحوث الطبية: «يمكننا أن نجد علاجا رائعا للسرطان في الفضاء.» كانت مجلة «أسترونوتيكس آند آيرونوتيكس» المرموقة قد نشرت مقدمة مقال بعنوان «التصنيع في الفضاء»، بخط كبير: «لا يقتصر الأمر ببساطة على أن في مقدورنا من خلال العمليات الفضائية تخليق مواد وبنى جديدة، بل إننا بذلك نستهل عصرا جديدا من الحضارة الفنية.» في خضم هذا الترويج، برزت تكلفة المحطة الفضائية بوصفها مسألة مثيرة للقلق على نحو بالغ.

في واشنطن، توجد الإجراءات القياسية بغرض تحويل المقترحات غير المؤكدة إلى برامج دائمة. يبدأ المرء بوضع تكلفة منخفضة على نحو غير واقعي، ثم إنفاق المال بمعدل محسوب لسنوات عديدة، وهو ما يكون مجموعة من الأشخاص الذين يعتمدون على البرنامج، والذين هم على استعداد لتكوين مجموعات ضغط تمارس بحماس ضغوطا ضد الاستقطاعات التي يواجهها البرنامج. يعمل هذا أيضا على دعم الرأي القائل بأن أي استقطاعات، فضلا عن إيقاف البرنامج برمته، من شأنها إهدار الأموال التي جرى تخصيصها حتى ذلك الحين. يستطيع المؤيدون عندئذ الدفع بأن لا سبيل إلى العدول عن هذا الالتزام الوطني في ضوء ما تم قطعه في البرنامج.

سار المكوك الفضائي على هذا المنوال. خلال فترة طويلة من سبعينيات القرن العشرين، واصلت ناسا الترويج لتكاليفها المنخفضة وفوائدها المرتفعة، باستخدام الإدارة الموجهة نحو النجاح لإحراز تقدم على الرغم من ميزانيتها المحدودة؛ ومع تزايد التكاليف وتوالي التأجيلات، أكد حلفاء القوات الجوية بوكالة ناسا أن البلاد ملتزمة تمام الالتزام بما لا يدع مجالا للرجوع في الأمر. مارست ناسا اللعبة نفسها مع موضوع المحطة الفضائية، وبنتائج مشابهة.

في البداية، حوالي عام 1980، كان مؤيدو مركز عمليات الفضاء قد ذكروا تكاليف تطوير بلغت قيمتها 8 مليارات دولار أمريكي. قبل موافقة ريجان في عام 1984، وبعدها ببعض الوقت، واصلت ناسا الحديث عن 8 مليارات دولار أمريكي؛ لكن، لم يعكس هذا المبلغ نوع التحليل الذي تعتمد عليه شركات مقاولات البناء عند عرض سعر ما لمنزل جديد، وبدلا من ذلك، عكس المبلغ اهتماما بالغا بما يمكن أن تتقبله الأوساط السياسية.

كان هذا الأسلوب يعتمد جزئيا على الرأي القائل بإمكانية تصميم محطة تلبي هدف تكلفة محددة. اعتمد هذا الأسلوب أيضا على ما أطلق عليه أحد مسئولي ناسا «مستوى الصراخ»: بدأ أشخاص من خارج برنامج الفضاء يطالبون بمبلغ 9 مليارات دولار أمريكي تقريبا، وتعالت صيحاتهم المطالبة بذلك. يشير المحلل هوارد ماكيردي إلى أن جيمس بيجز «اتخذ قرارا سياسيا بتحديد تكلفة المحطة المأهولة مبدئيا ب 8 مليارات دولار أمريكي. اعتقد مؤيدو المبادرة أن أي سعر تقديري يتجاوز نطاق 8 أو 9 مليارات دولار أمريكي، سيوفر لمعارضي المشروع «المانع القانوني» الذي يريدونه لوأد المقترح».

مع ذلك، أدرك بعض الأشخاص ما كان قادما؛ كان من بين هؤلاء دوجلاس بويت، الذي كان مسئولا آنذاك عن ميزانية ناسا في مكتب الإدارة والموازنة، حيث توقع في ديسمبر 1983 - قبل موافقة ريجان على المشروع - أن «ينفقوا 30 مليار دولار أمريكي قبل الانتهاء من المشروع. مبلغ الثمانية مليارات دولار هو تكلفة عرض البرنامج. ليس هذا ما تريده ناسا فعليا، والذي هو عبارة عن منصة فضائية مأهولة تنقل طاقما كبيرا إلى حد ما.»

Unknown page