Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Genres
تلت ذلك رحلات قادمة تضمنت تمارين مشابهة. في وقت مبكر من عام 1984، انطلقت «تشالنجر» حاملة قمرين صناعيين للاتصالات، وبسبب خلل وظيفي أصاب أحد الصواريخ المرحلية، ظل القمران عالقين بلا أي فائدة في مدار منخفض. في نوفمبر انطلقت مركبة تابعة للجهة نفسها، «ديسكفري»، واستعادت هاتين المركبتين الفضائيتين القيمتين، مسترجعة إياهما إلى الأرض لإعادة إطلاقهما في النهاية. حدث الشيء نفسه تقريبا في العام التالي لذلك؛ حيث أدى عطب في الصاروخ إلى أن علق قمر صناعي للاتصالات العسكرية على نحو مماثل، ومرة أخرى انطلقت مركبة «ديسكفري» للنجدة، مصلحة العطب. دار الصاروخ المرحلي لاحقا على نحو عادي، وساعد القمر الصناعي في بلوغ مدار جيوتزامني.
انطلقت بعثات أخرى حاملة «سبيسلاب»، وحدة البحوث الأوروبية التي وضعت في غرفة حمولات المكوك الفضائي. أجرت البعثة الأولى، في نوفمبر 1983، سبعا وسبعين تجربة شكلت مزيجا من التليسكوبات الفلكية والتليسكوبات الشمسية ومعدات لدراسة الأرض وطبقة الأيونوسفير. أشارت مجلة «ساينس» أن «هذه الطريقة كان من شأنها أن تصبح أسوأ طريقة يمكن تصورها على الإطلاق لإدارة بعثة. كثير من التجارب متعارضة تماما: ستنحرف «كولومبيا» لأسفل باستمرار للإشارة تجاه الأرض، ثم لأعلى باتجاه النجوم، ثم للخارج باتجاه الشمس. لن تستطيع تجربة واحدة أن تستفيد من الوقت الاستفادة الكاملة، لكن «سبيسلاب 1» ليست ببعثة عادية؛ إنها تدريب في الأنشطة الهندسية الوفيرة».
5
ساعد هذا البرنامج أيضا في إدخال أوروبا بقوة في برنامج الفضاء المأهول لناسا، الذي انضم إليه اختصاصي الحمولات الألماني أولف مربولد ليكون ضمن أعضاء الطاقم. انطلقت «سبيسلاب» ثلاث مرات أخرى خلال عام 1985. أطلقت شركة «ماكدونل دوجلاس» معداتها الطبية البيولوجية، التي رافقها تشارلز ووكر - أحد علماء الشركة - في ثلاث رحلات إلى الفضاء خلال عامي 1984 و1985.
أحرز النمو البلوري أيضا تقدما ملحوظا. كان كل من في المجال يدركون أن هذا المجال فن أكثر منه علما، وأن ثمة القليل فقط ممن يجيدون هذا المجال؛ لذلك أثار الباحثون الألمان كثيرا من الاهتمام عندما وصفوا الأبحاث التي أجروها على البروتينات على متن «سبيسلاب 1». كانت بلوراتهم من البيتا جالاكتوزيداز أكبر من البلورات التي تنمو على الأرض حتى سبع وعشرين مرة، وكانت بلورات اللايسوزيم أكبر حجما بمقدار ألف مرة.
في جامعة ألاباما، قرر زميل الباحثين تشارلز باج أن يجرب حظه من خلال تجربة صغيرة يضعها وراء كابينة القيادة، ويحاول من خلالها بلورة أربع وثلاثين عينة. فقدت جميع العينات فيما عدا خمس عينات مع اهتزاز مكوك باج، «ديسكفري »، بقوة أثناء دوران محركات المركبة ثم تسارعها بينما كانت تجري مناورات في مدارها الفضائي، وفقدت بقية العينات عند الهبوط، عندما انفجر أحد إطارات هذه المركبة المدارية. مع ذلك، صادف باج مفاجأة سارة؛ فقد عثر على بلورة عرضها 1,6 مليمتر، قال: «لم تصادفني أية حالة بلغت فيها بلورة لايسوزيم هذا الحجم الهائل خلال خمسة أيام فقط. يؤكد هذا الأمر على أن ما اعتقدنا ممكن.»
بالإضافة إلى ذلك، كانت ناسا تقترب من اليوم الذي كان المكوك الفضائي سيحتكر فيه عمليات الإطلاق الأمريكية. كانت الوكالة بصدد الابتعاد سريعا عن صواريخ التعزيز القابلة للاستخدام لمرة واحدة فقط، على الرغم من أن هذه الصواريخ كانت ملائمة لعصرها. زادت القوات الجوية من قدرة صاروخها «تايتان 3» عن طريق وضع صواريخ وقود صلب أكبر حجما على جانبيه. كان الصاروخ «أطلس-سينتاور» قد صار صاروخا قياسيا، حيث حل محل الصاروخ «أطلس-أجينا» الأقل قدرة، الذي انطلق في مهمته الأخيرة في عام 1978. بالإضافة إلى ذلك، كانت شركة «ماكدونل دوجلاس» قد استفادت من برامج عصر «أبولو» التي كانت قد زادت قوة دفع محركات «ساتورن 1-بي» إلى 206 آلاف رطل. استخدمت محركات مشابهة في دفع الصاروخ «ثور»، الذي انطلق في الأساس بقوة دفع 150 ألف رطل. زاد مصمموه الطول بمقدار خمس عشرة قدما بما يسمح لحمل المزيد من الوقود، وأضافوا صواريخ محسنة للمراحل العليا. كانت مركبة الإطلاق التي تمخضت عن ذلك هي النموذج الأحدث المسمى «أطلس» ضمن سلسلة لا تزال قيد التطوير من صواريخ التعزيز فئة «ثور»؛ كانت هذه الصواريخ هي صواريخ إطلاق الأقمار الصناعية الأوسع استخداما لدى ناسا.
في وقت مبكر يرجع إلى عام 1977، قررت ناسا عدم شراء المزيد من صواريخ «تايتان 3»؛ وبناء على ذلك، طرحت ناسا صواريخ «أطلس-سينتاور» و«دلتا» جانبا؛ فأصدر ريجان توجيها إلى هذه الوكالة في مايو 1983 بنقل الصواريخ إلى شركات تشغيل في القطاع الخاص. بدا الأمر في ظاهره كما لو أن ناسا تنقل مركبات الإطلاق الحكومية إلى القطاع الخاص، لكن وجد مصممو الصواريخ أنفسهم بين شقي الرحى مكوكا فضائيا مدعما ومركبة «آريان» الفرنسية المدعمة، وهما ما كانا يتفوقان عليها في السعر من خلال تكاليف الإطلاق الأقل.
في عام 1972، توقعت ناسا أن تبلغ التكلفة لكل رحلة من رحلات المكوك الفضائي 10,4 ملايين دولار أمريكي، أو 24 مليون دولار أمريكي طبقا لأسعار الدولار المتضخمة في عام 1982. لاسترداد التكلفة الكاملة، كان على الوكالة أن تفرض 155 مليون دولار أمريكي؛ لأنه كان من المنتظر أن تكون رحلاتها متباعدة، ومع ذلك كان عليها أن تغطي تكلفة المنشآت الداعمة الكبيرة. بالنسبة إلى الأقمار الصناعية الخاصة بالاتصالات والاستخدامات التجارية الأخرى، كانت التكلفة الحقيقية 71 مليون دولار أمريكي لغرفة حمولة كاملة، موزعة على أقل من ذلك بكثير عند شغل الحمولة لمجرد جزء فقط من الغرفة. كذلك، لم تستطع ناسا زيادة هذه التكلفة، وإلا كانت ستخسر أعمالها لصالح «دلتا» و«أطلس-سينتاور»، فضلا عن «آريان».
في عام 1980 كان مؤيدو هذا الصاروخ الفرنسي قد كونوا شركة تجارية باسم «آريان سبيس» لتسويق خدمات إطلاقه. قدمت الشركة عروضا مغرية؛ إذ بينما كان على عملاء ناسا سداد كامل المستحقات قبل ثلاث سنوات من انطلاق رحلة بالمكوك الفضائي، كان عملاء «آريان» في مقدورهم إيداع مبلغ وسداد المبلغ المتبقي خلال بضع سنوات؛ بالإضافة إلى ذلك، كان في مقدور هؤلاء الأوربيين أيضا خفض الأسعار. قال ويليام ركتور من شركة «جنرال داينمكس»، الذي كان مسئولا عن «أطلس-سينتاور»: «كانت «آريان سبيس» تمتلك شبكة معلومات جيدة. كانوا يعرفون العطاء الذي نقدمه، وفجأة يقدمون سعرا أقل ليتفوقوا علينا في كل مرة!» بينما كان «أطلس» و«دلتا» محصورين على هذا النحو بين ناسا وأوروبا، كان واضحا أن كليهما سيختفي قريبا من الخدمة. لم يكن مسئولو ناسا ليتباهوا بالتصرف مثل بارونات فاسدين، بل كانوا يبتسمون ويقولون إن صواريخ التعزيز القابلة للاستخدام مرة واحدة كانت تخسر المنافسة أمام المكوك الفضائي، مثلما توقعوا في عام 1972.
Unknown page