Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Genres
تولى الرئيس ريجان مهام منصبه في مستهل عام 1981، ورشح أشخاصا جدد لقيادة ناسا. ترأس الوكالة فيما بعد جيمس بيجز، الذي كان قد تولى مؤخرا إدارة برنامج الطائرة المقاتلة «إف-16» في شركة «جنرال داينمكس». انتدب ريجان هانز مارك من القوات الجوية وألحقه بناسا ليكون نائبا لجيمس بيجز. كان لدى بيجز ومارك اهتمام كبير بإنشاء المحطة الفضائية، بيد أن مركز عمليات الفضاء لم يكن ليفي بالغرض. كان نموذج التصميم الخاص بالمركز محدودا للغاية، وكان من المتوقع أن يلقى انتقادات كثيرة. تذكر المديران أن تصميمات المكوك الفضائي المفصلة في عام 1971 قد أثارت معارضة شديدة من جانب مكتب الإدارة والموازنة، وهو ما اضطر ناسا إلى الحد من خططها وتضييق نطاقها. لتجنب هذا المصير هذه المرة، كان عليهما ألا يلفتا الأنظار إليهما حتى يحصلا على موافقة ريجان.
بناء على ذلك، أنشأ بيجز مجموعة عمل في مايو 1982 تكون معنية بمشروع المحطة الفضائية. لم يكن من المقرر أن تقدم هذه المجموعة نموذج تصميم كأمر واقعي، بل أن تجري دراسات وتستطلع آراء المستخدمين المحتملين. استند هذا الأسلوب إلى وجهة النظر التي تفيد بإنشاء المحطة المثلى التي تلبي احتياجات هؤلاء المستخدمين. تجنب هذا الأسلوب أيضا الالتزام المبكر بتصميم ثابت قد يصير محل انتقاد من جانب المعارضين. قال روبرت فرايتاج، أحد الأشخاص الرائدين في مجموعة العمل: «نرفض نهائيا رسم صورة لمحطة فضاء.»
على الرغم من ذلك، كان الأمر يتطلب ما هو أكثر من الدراسات الداخلية للحصول على تصديق رئاسي على المشروع. كان من المتوقع أن يمثل مشروع إنشاء محطة فضائية خطوة كبرى، وكان فيه مساس بمخاوف عدد من الإدارات الأخرى: البنتاجون، ووكالة الاستخبارات المركزية، ووزارة التجارة التي تمتلك أقمارا صناعية للأرصاد الجوية، ووزارة الخارجية المهتمة بالتعاون الدولي في مجال الفضاء. ربما حاول بيجز تقديم خطة إنشاء المحطة الفضائية في لقاء شخصي بالرئيس ريجان، بيد أن ريجان لم يكن ليقتنع بالأمر؛ إذ كان سيصر على ضرورة أن تمنح كل تلك الأطراف المعنية فرصة عادلة للاستماع إلى آرائها. كانت لدى بيجز مشكلة محددة، حيث لم يكن ثمة أي اهتمام حقيقي بالمحطات الفضائية خارج ناسا نفسها. كان «المستخدمون»، الذين كان بيجز مهتما جدا بآرائهم، في معظمهم من عملاء ناسا، وكانوا على استعداد للتوصية بما يريد أيا كان.
في تلك الأثناء، دخل جلبرت راي - وهو كولونيل شاب ومفعم بالحماس من القوات الجوية - حياة بيجز. كان راي شخصا نحيفا وطويل القامة، وكان له شعر أسود كثيف ومجعد، وكان من الأشخاص الذين يلائمهم الزي الرسمي للقوات الجوية. عمل راي مع الجنرال ألكسندر هيج في مقر الناتو في أوروبا، وتذكره هيج عندما صار وزيرا للخارجية. كان راي قد قضى أيضا ثلاث سنوات في البنتاجون، حيث ساهم في إنشاء إدارة الفضاء في القوات الجوية، وقد لعبت تلك الإدارة دورا رئيسا في الفضاء على مدى فترة طويلة، وكان هذا الدور يتزايد. في ظل إدارة ريجان، كان من المقرر أن تصير برامج الفضاء العسكرية أكبر من برامج ناسا. كان راي يشغل آنذاك منصب مدير برامج الفضاء، وهو منصب عضو عامل في مجلس الأمن القومي. حظي بدعم رئيس مجلس الأمن القومي، ويليام كلارك، الذي كان صديقا قديما لريجان. وكان راي مؤيدا قويا لفكرة إنشاء محطة فضائية.
كان من المقرر أن يلقي ريجان خاطبا مهما حول برنامج الفضاء في يوليو، وأمل بيجز في تجاوز عملية المراجعة المشتركة بين الوكالات بإقناع الرئيس بإعطاء تعهد مباشر على غرار جون كينيدي، معلنا هذا البرنامج الجديد على غرار جون كينيدي عندما استهل مشروع «أبولو». أثار أتباعه تخرصات بأن الرئيس سيفعل ذلك، مع ممارسة ضغوط قوية وتنظيم حملة كتابة خطابات تطالب بمحطة فضائية. أحصى موظفو البيت الأبيض سبعة عشر مقالا في الصحف والمجلات، تتوقع أن يعلن ريجان موافقته. التقى بيجز براي، الذي كان يساعد في كتابة خطاب الرئيس، واتفقا معا على الكلمات التي من شأنها أن تجعل الأمر رسميا: «يجب أن نتطلع بقوة إلى المستقبل بالبرهنة عمليا على إمكانية المكوك الفضائي وترسيخ كيان مأهول دائم في الفضاء.»
كان مقررا أن يلقي ريجان هذا الخطاب في قاعدة إدواردز الجوية في 4 يوليو، كجزء من احتفالية صاخبة بالفضاء. كان من المقرر أن يهبط المكوك «كولومبيا» هناك بعد الانطلاق في رحلة مدارية أخرى، وكان مقررا أيضا أن ينطلق مكوك فضائي مداري آخر، وهو «تشالنجر»، صوب كيب كانافيرال على متن طائرة «بوينج 747»، وكان ريجان من سيعطي بنفسه أمر الانطلاق إلى قائد الطائرة. عندما حان يوم العودة، كانت ثمة فرقة موسيقية تعزف في موقع الهبوط، وكانت الأعلام ترفرف، وبلغ عدد الحاضرين خمسين ألف شخص. بالإضافة إلى ذلك، كان مراقبو رحلة ناسا قد أجلوا على نحو مدروس هبوط «كولومبيا» لإجراء دورة إضافية في مدار، حتى يتسنى لريجان الحصول على قسط أكبر من النوم.
وقف الرئيس مع الوفد المرافق له تحت شمس الصحراء الحارة، بينما قدم إليه بيجز مجموعة من رواد الفضاء في بذلات طيران زرقاء. بعد ذلك، حسبما تذكر ريجان لاحقا، «طلبوا منا الإسراع إلى المنصة، إذ قالوا لنا إن الوقت قد حان للصعود إلى المنصة، بينما كان المكوك الفضائي في طريقه إلى الهبوط. قالوا إنه يقترب». سأل الرئيس: «أين هو الآن؟» فأجاب أحدهم: «فوق هونولولو تماما.» كانت هاواي على مسافة بعيدة مثلها مثل واشنطن، وعلى حد تعبير ريجان: «أدركت المعجزة برمتها حينئذ.»
ثم واصل خطابه قائلا: «يجب أن نتطلع بقوة إلى المستقبل بالبرهنة عمليا على إمكانية المكوك الفضائي وترسيخ كيان مأهول دائم في الفضاء.» لم يكن هذا يعني شيئا على الإطلاق، بل من المحتمل أنه كان يشير إلى مزيد من المركبات الفضائية غير المأهولة. كانت مسودة راي للخطاب قد وزعت في البيت الأبيض، وارتاب ديفيد ستوكمان - مدير الميزانية - في الأمر. لم يكن ستوكمان يرغب في أي مبادرات مكلفة جديدة في مجال الفضاء، ورتب لحذف الكلمة المعارضة لرغبته.
لم يكن ثمة مجال لتفادي المراجعة المشتركة بين الوكالات. كان من المقرر أن تتولى لجنة من البيت الأبيض إجراء عملية المراجعة، وكما جرت العادة، فإن من سيتولون تعيين أعضاء اللجنة هم المنوط بهم تقرير توصياتها والفصل فيها. كان جورج كيوورث، المستشار العلمي لريجان، في مقدمة هؤلاء، وكانت لديه شكوك كثيرة للغاية تجاه ناسا؛ قال: «السبب الرئيسي للرغبة في بناء محطة فضائية هو إرسال بشر إلى الفضاء. لماذا نريد أن نفعل ذلك في الوقت الذي ندخل فيه توا عصر الإنسان الآلي والأتمتة؟» أشار كيوورث إلى أن السوفييت كانوا يعتمدون على المركبتي «ساليوت» و«سويوز» المأهولتين، نظرا لأن موسكو لم تكن لديها إلكترونيات متطورة. حذر لجنة فرعية في مجلس النواب قائلا: «لا تقلدوا تكنولوجيا أقل.» إن التركيز على إرسال بشر إلى الفضاء «سيتراجع إلى الوراء»، سيصبح «خطوة غير موفقة على الإطلاق».
2
Unknown page