177

Cadd Tanazuli

عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء

Genres

بعد عام 1975، كانت كلتا الدولتين تسيران بثبات على مساريهما الجديدين. تخلت كلتاهما عن فكرة الهبوط على سطح القمر؛ حيث غضتا الطرف عن الصاروخين «ساتورن 5» و«إن-1» الهائلين اللذين كانت برامجهما القمرية قد أسفرت عنهما. لكن، كانت لديهما مركبات إطلاق قوية، مثل «تايتان 3» و«بروتون»، اللتين كان في مقدورهما إطلاق مركبة فضائية ثقيلة، متخطيتين بمراحل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات المعدلة التي كانت تشمل «آر-7» و«تايتان 2». كانت ناسا ملتزمة تماما ببرنامج المكوك الفضائي باعتباره مسعاها الرئيسي الجديد، على الرغم من أن مسئوليها كانت لا تزال لديهم خطط لإطلاق مركبة فضائية، وكانوا ينتظرون الوقت الملائم. أما نظراؤهم السوفييت، فكانت لهم مبادرتهم الخاصة، حيث قدموا محطات «ساليوت» الفضائية، على الرغم من أن فالنتين جلشكو كان بصدد الإعداد لبناء مكوكه الفضائي. وبينما ظلت الرحلات المأهولة تحظى بالاهتمام الأكبر، كانت المركبة الفضائية غير المأهولة تؤدي البعثات الفعلية في الفضاء، وتسهم بنصيب جيد في هذا الحدث المثير.

الفصل العاشر

إلكترونات في الفراغ

برامج الفضاء غير المأهولة

تقع بلدة أندوفر، بولاية مين، في منطقة شديدة التحدر قرب حدود نيوهامبشير، في منطقة من أراضي الغابات التي كانت تلقى استحسانا كبيرا لدى الشاعر روبرت فروست. في أوائل الستينيات من القرن العشرين كانت خدمة الهواتف المحلية تتضمن خطوطا جماعية وهواتف يدوية، ومع ذلك، كان هذا المكان النائي بما فيه من تكنولوجيا بسيطة للغاية يلائم شركة «بيل لابس»؛ لأنه كان يعني عدم حدوث تداخل لاسلكي كبير في المنطقة. وقع اختيار الإدارة بشركة «بيل لابس» على هذه المنطقة لتكون موقع مركزها الرئيسي لاتصالات الأقمار الصناعية. بنت الشركة هنا هوائيا بوقي الشكل قابلا للتوجيه بالكامل، بطول 177 قدما، داخل غطاء واق.

بلغ «تلستار»، أول قمر صناعي يتقدم إلى ما وراء قمر «إكو»، مدارا فضائيا في يوليو 1962. كان القمر مشروعا تجاريا في مجمله؛ حيث دفعت «إيه تي آند تي»، التي كانت تمتلك «بيل لابس»، إلى ناسا 3 ملايين دولار أمريكي لشراء مركبة الإطلاق «ثور- دلتا». بعد خمسة عشر ساعة من الإطلاق، أثناء تحليق «تلستار» من جزر الكاريبي إلى إسبانيا في مسار قوسي من جهة الشمال الشرقي، حاول مراقبوه نقل أول بث تليفزيوني عبر الأطلنطي في العالم. تنتقل إشارات التليفزيون في خطوط مستقيمة ولا تتبع السطح المنحني للأرض؛ حتى عندما يكون البث من أعلى مبنى «إمباير ستيت»، تبلغ الإشارات نطاقا لا يزيد عن خمسين ميلا. لكن، مع جاهزية هذا القمر لالتقاط الإشارات وتكبيرها وإعادة إرسالها، ربما تعبر هذه الإشارات الأطلنطي بسهولة.

تضمن العرض عمليات إرسال بين أندوفر ومحطتين أرضيتين أوربيتين، في «جونهيلي داون» في كورنوول و«بلومير-بودو» في بريتاني. كان المقطع الأمريكي يعرض شريط فيديو لقبة أندوفر، بينما كان العلم الأمريكي يرفرف في المقدمة. تضمن المقطع تسجيلات أغنية «أمريكا الجميلة» ونشيد «الراية المرصعة بالنجوم»، فضلا عن مشهد لرئيس مجلس إدارة «إيه تي آند تي» - فردريك كابل - أثناء إلقائه بيانا. التقط الفرنسيون هذا البث بدقة وردوا بالمثل، من خلال شريط للممثل إيف مونتو ومطربة وعازف جيتار. ظهرت عبارة «أول بث تليفزيوني من فرنسا» على الشاشات الأمريكية، بينما كان عازف الجيتار غير المعروف والمرتبك إلى حد ما يعزف على آلته الموسيقية هذه.

مع ذلك، أسفرت مشكلات فنية في جونهيلي عن تأخير على الجانب البريطاني. كان ريتشارد ديمبلبي - مذيع الأخبار البارز في «بي بي سي» - موجودا، بيد أن الليل كان يمضي بتثاقل ولم يكن يجد ما يقدمه. مع اقتراب منتصف الليل، أشار ديمبلبي قائلا: «قلت هذا ست مرات الليلة، لكنني سأقوله مجددا. سنتلقى بثا مصورا في المرة القادمة حتى لو أودى هذا بنا.» أخيرا، بعد الساعة الواحدة صباحا، ظهر وجه كابل للحظات، دون صوت.

لكن، بعدها بأيام قليلة، سار كل شيء على ما يرام. كانت شبكة «سي بي إس» تعرض فيلما في وقت متأخر من الليل عندما ظهر تشارلز كولينجوود على الشاشة وقال: «نقطع هذا البرنامج. البريطانيون جاهزون لبث برنامج عبر تلستار.» ثم مضوا يقدمون مشهدا لغرفة التحكم في جونهيلي، بمديريها الفنيين. على هذا النحو الارتجالي العفوي، اتخذ العالم أولى خطواته الكبرى نحو البث التليفزيوني العالمي.

حظيت عمليات البث باهتمام خاص لدى واشنطن؛ إذ كان الكونجرس على وشك تمرير قانون الأقمار الصناعية للاتصالات. قبل عام مضى، قاد الرئيس كينيدي بنفسه الجهود بإصدار بيان سياسي. أعلن كينيدي في هذا البيان قائلا: «أدعو جميع الشعوب إلى المشاركة في نظام الأقمار الصناعية للاتصالات.» مهيئا الأجواء للمشاركة الفيدرالية في لحظة كان الالتزام فيها واضحا، بينما لم تكن القاعدة المؤسسية قد تحددت بعد. أسس قانون عام 1962 شركة «كومينيكيشن ستالايت»، المعروفة اختصارا بشركة «كومسات»، التي وصفها المؤرخ والتر ماكدوجال بأنها «شركة مرخصة على غرار النوع الذي أسسه الأمراء الأوروبيون في عصر الدولة التجارية». كتبت مجلة «فورتشن» أن شركة «كومسات» لم يكن لديها في البداية «أي إدارة، أو أي منشآت مادية، أو أي اتفاق حول ما يقترح أن تقدمه، أو أي وكلاء، أو أي سجل أرباح أو احتمال وشيك بتحقيق أرباح». مع ذلك، كانت نية الكونجرس واضحة؛ إذ كان من المقرر أن تراقب «كومسات» اتصالات الأقمار الصناعية الأمريكية وتسعى إلى تطويرها.

Unknown page