Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Genres
حصلت مركبة الإطلاق الجديدة، «إن-1»، لكوروليف على تصميم مقبول في أواسط عام 1962 وسط مراجعة دقيقة من قبل لجنة كان يرأسها مستيسلاف كلديش، الذي صار آنذاك رئيس أكاديمية العلوم. كان التصميم يتطلب صاروخا حقيقيا على غرار الصاروخ «ساتورن 5» للسفر إلى القمر. كان التصميم يقتضي أيضا إرسال رواد فضاء إلى القمر، وبينما كان كوروليف يتوقع في البداية إجراء عمليتي إطلاق أو ثلاث لتجميع مركبة فضائية قمرية في مدار أرضي، تبنى أيضا بمرور الوقت أسلوب الالتقاء في مدار قمري. كان من المتوقع آنذاك أن تطلق مركبة «إن-1» واحدة مركبة فضائية كبيرة مأهولة برائدي فضاء للدوران حول القمر، مع إرسال مركبة هبوط صغيرة إلى سطح القمر على متنها رائد فضاء واحد، تعود لاحقا إلى هذه السفينة الأم.
في ظل الأراضي الداخلية غير الساحلية الشاسعة، لم تكن ثمة فرصة أمام كوروليف لتطبيق الأسلوب المتبع في إطلاق الصاروخ «ساتورن 5» ببناء مراحل الصاروخ بعيدا عن مركز الإطلاق وشحنها على متن سفن كبيرة. بدلا من ذلك، أقام كوروليف مصنع تجميع في تيوراتام، لبناء مركبة «إن-1» الكاملة. كان العاملون سيتسلمون محركات الصاروخ من كوزننتسوف في مدينة كيوبيشف؛ حيث كان من المقرر إجراء عملية التجميع للمراحل الثلاث في الموقع، ثم توصيلها أفقيا. كان من المقرر أن توضع مركبة «إن-1» الكاملة على جانبها في حامل كبير.
اعتمد فلاديمير بارمين، كبير مصممي مجمعات الإطلاق لدى كوروليف منذ فترة طويلة، على خبرته بالصاروخ «آر-7» في الإعداد لإطلاق مركبة «إن-1». مثلما هي الحال مع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، كان من المقرر أن ينقل الصاروخ القمري على خطوط السكك الحديدية إلى منصة إطلاقه، محفوظا في حامله. ثم ينصب في وضع رأسي باستخدام رافعة هيدروليكية كبيرة مما سيؤدي إلى تمايل صاروخ التعزيز الضخم هذا، بارتفاع 345 قدما، عبر منحنى قوسي قيمته تسعون درجة. سيزود الفنيون الصاروخ بعد ذلك بالوقود ويعدونه للإقلاع.
في تلك الأثناء، في منتصف عام 1962، كان تطوير محرك ناسا «إف-1» يسير على خطى جيدة؛ حيث كان قد جرى تشغيله بكامل قوة دفعه وطوال فترة الطيران الكاملة في مايو. عكس هذا الإنجاز التزام أمريكا المبكر الذي يعود إلى عام 1958، ومنحها الريادة طوال أربع سنوات. لم يكن لدى كوروليف محرك كهذا في متناول يديه؛ إذ كان عليه أن يقبل محرك كوزننتسوف «إن كيه-15»، الذي كانت قوة دفعه تبلغ 340 ألف رطل مقابل قوة دفع «إف-1» التي كانت تبلغ 1,5 مليون رطل. استخدم كوروليف ثلاثين محركا من هذا الطراز في تصميمه النهائي، بقوة دفع إجمالية تتجاوز عشرة ملايين رطل، وهو ما كان يتجاوز بكثير قوة دفع «ساتورن 5» البالغة 7,5 ملايين رطل.
كان ذلك صاروخا حقيقيا على طراز صاروخ «نوفا»، يشبه كثيرا ما كان العالم سيراه في الصاروخ الضخم ذي الواحد والخمسين محركا الذي كان فون براون قد ناقشه في مجلة «كوليرز» قبل عقد مضى. لكن، كان الصاروخ أقل قدرة من الصاروخ «ساتورن 5»؛ حيث كان يستطيع نقل رائد فضاء واحد إلى سطح القمر، مقارنة بإمكانية نقل رائدي فضاء في «أبولو». بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن «ساتورن 5» كان أثقل قليلا، فقد كان يتطلب قوة دفع أقل، وهو ما كان يرجع إلى أن «إن -1» كانت به محركات إضافية، كإجراء احترازي حال توقف بعض المحركات أثناء الطيران.
في حقيقة الأمر، كان يحرك جهود بناء «إن-1» بأكملها توقع أن تفشل صواريخ التعزيز الضخمة أثناء عمليات الإطلاق التجريبية. لم يكن هذا من قبيل التسليم بالقدر. عكس الأمر مجددا تجربة الصاروخ «آر-7»؛ حيث كان مصممو كوروليف قد تعلموا دروسا من حوادث تحطم ذلك الصاروخ العنيفة المصحوبة بانفجارات، ومضوا يبنون مركبة يمكن التعويل عليها. لم يكن ثمة نظير حقيقي لبرنامج «إن-1» في منشأة اختبارات المسيسيبي التابعة لناسا. على الرغم من أن كوروليف كانت لديه منشآت إطلاق استاتيكي للمراحل العليا في مركبة «إن-1» الكاملة، فلم يكن ثمة أي مركز في مقدوره إجراء مثل هذه الاختبارات الاستاتيكية على مرحلته الأولى المهمة. وعلى الرغم من أن كوزننتسوف كان يختبر محركاته بعناية، فلم يكن تتولد عن عددها الوفير قوة دفع إلا خلال رحلة الطيران. كان كوروليف يتوقع حدوث بعض الانفجارات التي تتولد عنها كرات نارية هائلة، وكان مستعدا لقبول ذلك.
في تلك الأثناء، انطلق صاروخ تشلومي «بروتون» أولا. في يوليو 1965، رفعت الرحلة الأولى حمولة 27 ألف رطل في مدار فضائي، وأثبتت مجددا أن الوقود القابل للتخزين يوفر البساطة والموثوقية، حتى عندما يستلزم الأمر تشغيل ستة محركات في آن واحد. كرر الصاروخ «بروتون» هذا النجاح في نوفمبر من خلال رحلة مشابهة. كان صاروخ أمريكا «ساتورن» قد حلق من قبل في مدار فضائي وعلى متنه حمولات أثقل، كنماذج تجريبية لمركبة «أبولو» الفضائية؛ بيد أن هاتين المهمتين سجلتا رقما قياسيا في الوزن لصالح موسكو.
سباق الهبوط على سطح القمر: الصاروخان «ساتورن 1-بي» و«ساتورن 5» الأمريكيان، والصاروخ «بروتون» السوفييتي الذي يتضمن المحركين «زوند» و«إن-1» (دان جوتييه).
كان تشلومي يطور المركبة الفضائية المأهولة التي كانت ستوضع أعلى أحد صواريخ «بروتون» في رحلتها الفضائية حول القمر، بيد أن مركزه الهندسي كان يفتقر إلى خبرة التعامل مع هذه المركبة، وهو ما منح كوروليف فرصة جديدة. كانت خبرة مجموعته في هذا المجال لا تضاهى؛ حيث إنها كانت قد بنت الصاروخين «فوستوك » و«فوسخود». بالإضافة إلى ذلك، كان كوروليف يطور آنذاك مركبة فضائية مأهولة جديدة، وهي مركبة «سويوز» (أي الاتحاد)، كان من المقرر أن تجري عمليات التقاء والتحام، وهو ما كان يضاهي إنجازات مركبة «جيميني» التابعة لناسا.
كانت فرصة كوروليف عظيمة نظرا لأن خروتشوف، راعي تشلومي، كان قد ترك السلطة في أكتوبر 1964. على النقيض من ذلك، كان كوروليف لا يزال يتمتع بعلاقات طيبة مع مستشاره، ديمتري أوستينوف، الذي كان يرأس آنذاك برنامج الفضاء. في سبتمبر 1965، أخذ كوروليف خطوة جريئة لانتزاع مبادرة مركبة «بروتون» التي تدور حول القمر من تشلومي، وإحلال نموذج معدل كثيرا من مركبة «سويوز» باسم «زوند» (أي مسبار) محلها. التقى كوروليف تشلومي بصفة شخصية في سلسلة من اللقاءات التي كانت تتسم بالعدائية؛ حيث هاجم تصميماته بشراسة وأوضح أوجه قصورها. انتصر كوروليف في الصراع؛ ومن ثم وجد نفسه مسئولا عن مهمة الدوران حول القمر، فضلا عن عملية الهبوط على سطحه.
Unknown page