Cadd Tanazuli
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Genres
كان يوري جاجارين، وهو طيار في القوات الجوية السوفييتية، يتمتع بصحة جيدة لكن لم يكن لديه سوى القليل من الخبرة. ولد جاجارين في عام 1934 في مزرعة جماعية غرب موسكو، والتحق بمدرسة تجارية ليصير بعد ذلك عاملا ماهرا؛ لكن سجله كطالب كان جيدا بما يؤهله للالتحاق بمدرسة فنية في ساراتوف تحديدا. هناك، تعلم الطيران في نادي طيران محلي، وتأهل للانضمام إلى القوات الجوية، ثم انضم إلى مدرسة لتأهيل الضباط المرشحين في أورينبرج؛ حيث تخرج فيها بمرتبة الشرف الأولى في عام 1957.
تزوج جاجارين من اختصاصية في النواحي الفنية، تدعى فالنتينا إفانوفنا. أنجبا طفلتين، كان عمر أصغرهما شهرا واحدا فقط عندما انطلق في رحلته. كان هو وزوجته يعيشان في شقة متواضعة - مكونة من غرفة نوم، ومطبخ، وغرفة معيشة، وحمام - في الدور الخامس من مبنى مخصص لطياري الاختبار العسكريين، وكان جاجارين يسافر يوميا إلى موقع التدريب على ريادة الفضاء في وسط مدينة موسكو. في أعقاب رحلته، أظهر جاجارين مهارة في الحديث وقول ما يجب أن يقال: «بينما كنت في الفضاء الخارجي، كنت أفكر في حزبنا وفي بلادنا. عندما كنت في طريقي إلى الأرض، أنشدت أغنية «الوطن يسمع، الوطن يعرف».»
في واشنطن، دار الحديث مجددا حول «سبوتنيك». هاتف أحد الصحفيين «شورتي» باورز، المتحدث باسم رواد الفضاء، في الثالثة صباحا وأيقظه سعيا للحصول على تعليق منه، لكن باورز أجابه قائلا: «إذا كنت تريد أي شيء منا، أيها الأحمق، فالإجابة أننا جميعا نيام.»
لم يكن كينيدي نائما، لكنه لا شك انزعج كثيرا. دعا كينيدي إلى عقد مؤتمر صحفي في ظهيرة اليوم نفسه، فسأله أحدهم قائلا: «سيدي الرئيس، صرح أحد أعضاء الكونجرس اليوم بأنه سئم من مجيء الولايات المتحدة في المرتبة الثانية بعد روسيا في مجال الفضاء؛ فما هي فرص لحاقنا بروسيا وربما تخطينا لها في هذا المجال؟» أجاب كينيدي قائلا: «مهما سئم أحدهم، فلا يوجد من هو أشد سأما مني، سيستغرق الأمر بعض الوقت بالتأكيد. فلا نلبث أن نحسن الأمور وندفعها نحو الأفضل حتى يقع الأسوأ. سنمضي، مثلما آمل، في مجالات أخرى حيث يمكننا إحراز السبق والريادة؛ مجالات ربما ستعود بفوائد على البشرية على المدى البعيد. أما الآن، فلا نزال متخلفين عن الركب.»
في الأسابيع الأخيرة السابقة على ذلك، كان كينيدي قد تلقى ثلاثة تقارير. كان مستشاره العلمي، جيروم فيزنر الأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، قد حذر من التركيز أكثر مما ينبغي على مشروع «ميركوري»؛ إذ لم يكن من الممكن هزيمة السوفييت بهذا المشروع، علاوة على أنه ينطوي على خطر قتل رائد الفضاء، ربما من خلال علوقه في مدار فضائي. دعا تقرير منفصل من تريفور جاردنر إلى أسلوب معاكس؛ حيث أوصى بتنفيذ برنامج مأهول كبير، تحت رعاية القوات الجوية، بالطبع. ناقشت الأكاديمية الوطنية للعلوم وجهة نظر ثالثة؛ حيث دعت لجنة برئاسة ليود بيركنر بحماس بالغ إلى إرسال رواد فضاء إلى القمر عبر ناسا. وسط هذه التوصيات المتضاربة، كان ثمة موضوع مشترك، ألا وهو: للفوز في سباق الفضاء، يجب ألا تقبل أمريكا بما هو أقل من إجراء عملية هبوط مأهولة على سطح القمر، وهي العملية التي سبقها إليها السوفييت على نحو رائع.
بعدها بيومين: في 14 أبريل، عندما توافد مواطنو موسكو إلى الميدان الأحمر للترحيب ببطلهم ترحيبا حارا، التقى كينيدي بمستشاريه. استمع إليهم، وهو يتمتم قائلا: «ربما لن نلحق بهم أبدا.» ثم استعاد حماسه قائلا: «دعونا نتأمل الأمر. هل ثمة أي مجال يمكننا اللحاق بهم فيه؟ ما الذي في وسعنا فعله؟ هل يمكننا أن ندور حول القمر قبلهم؟ هل يمكننا إرسال رائد فضاء إلى سطح القمر قبلهم؟ ماذا عن «روفر» و«نوفا»؟ («روفر» عبارة عن صاروخ نووي تجريبي، وهو أحد مشروعات هيئة الطاقة الذرية. انظر الفصل التاسع.) متي سيصبح «ساتورن» جاهزا؟ هل يمكننا تحقيق قفزة في هذا الشأن؟»
أشار درايدن من وكالة ناسا إلى أن أملهم الوحيد يتمثل في برنامج سريع يشبه مشروع «مانهاتن»، بيد أن برنامجا كهذا ربما يتكلف 40 مليار دولار أمريكي، وحتى ذلك الحين لم تكن فرصة الفوز في سباق الفضاء التي يطرحها هذا البرنامج تزيد عن خمسين في المائة. أجاب كينيدي قائلا: «التكلفة، هذا هو ما يقلقني.» فكر لحظة، ثم تابع قائلا: «عندما يتسنى لنا معرفة المزيد، أستطيع أن أقرر إن كان المشروع يستحق تكلفته أم لا. فقط لو أن شخصا في مقدوره أن يرشدني إلى كيفية اللحاق بهم! لنبحث عن شخص ما، أي شخص، لا أعبأ حتى إن كان هذا الشخص هو الحارس الواقف هناك، ما دام يعلم كيف نلحق بهم.»
توقف مرة أخرى لبرهة، محولا بصره من وجه إلى آخر، ثم أضاف في هدوء قائلا: «لا يوجد ما هو أكثر أهمية من ذلك.»
كانوا يجرون اجتماعاتهم في غرفة اجتماعات مجلس الوزراء في البيت الأبيض. وجه كينيدي الشكر إلى مساعديه لحضورهم، وطلب من ثيودور سورنسن - أحد المساعدين المؤتمنين - الانضمام إليه في مكتبه؛ وهناك تحدثا لمدة خمس دقائق ثم خرج سورنسن، وقال: «سنصعد إلى القمر.»
6
Unknown page