وقد نلمس هذه الجوانب المتقابلة من مزاج الصاحبين في كل مسألة ذهبا فيها مذهبين، ونزعا فيها إلى رأيين مختلفين.
من ذلك مسألة الردة، ومسألة خالد بن الوليد، ومسألة الأعطية والنوافل للمؤلفة قلوبهم ولغيرهم من عامة المسلمين.
في كل مسألة من هذه المسائل كان لكل من الصاحبين عند طبعه ومزاجه، أو عند المعهود من وصفه واستقصاء أحواله، دليل أصدق على خلوص الرأي وصراحة الضمير والتوجه إلى الأمر بما يستدعيه عندهما من مقدماته وموجباته، في غير حيد ولا انحراف عن سواء السبيل.
ففي مسألة الردة جنح أبو بكر إلى الصرامة وجنح عمر إلى الهوادة، وفي ظاهر الأمر أن هذا اختلاف على غير المنظور من طبيعة الرجلين، ولكن الواقع أنه لا يخالف المعهود إذا مضينا فيه إلى ما وراء الظاهر القريب.
فقد كان أبو بكر عند طبعه حين أبى أن يترك عقالا مما كان يأخذه رسول الله من فريضة الزكاة، وكان كذلك عند طبعه حين استثاره الاستخفاف به والجرأة عليه، كأنهم يستصغرونه ويتقحمونه، وهو الذي توقر طول حياته من مكانة من يستصغر ويتقحم؛ لدقة في تكوينه وقوة في نفسه تعاف أن تحسب عليه الدقة في التكوين صغرا في المقام.
وقد كان عمر عند طبعه حين أخذ بالتصرف والاجتهاد على حسب اختلاف الأحوال، ووثق من مصير الأمور على الخير بأية حال. •••
أما مسألة خالد بن الوليد فقد كان السؤال فيها: هل يحاسب أو لا يحاسب؟ فكان جواب الصاحبين على حسب المعهود فيهما من مزاج وخليقة، ولم يكن منظورا أن يقضي أحد منهما بغير ما قضاه.
قتل خالد مالك بن نويرة وبنى بامرأته في ميدان القتال على غير ما تألفه العرب في جاهلية وإسلام، وعلى غير ما يألفه المسلمون وتأمر به الشريعة.
أفيحاسب على هذا أو لا يحاسب عليه؟
أول جواب يبدر إلى عمر عن هذا السؤال هو المحاسبة بغير وناء. ولم لا؟ ما الذي يتقى؟ ما الذي يكون؟ إن المبالاة بعقبى حسابه ليست مما يروع عمر ويثنيه، بل لعلها مما يحفزه إلى التحدي والإسراع فيه.
Unknown page