فإن كانت عظمة الرجل قد أتاحت له أن يعطي الدعوة حقها ويعطي المرأة حقها فالعظمة رجحان وليست بنقص، وهذا الاستيفاء السليم كمال وليس بعيب. ورسالة محمد إذن هي الرسالة التي يتلقاها أناس خلقوا للحياة، ولم يخلقوا نابذين لها ولا منبوذين منها. فليست شريعة هؤلاء بالشريعة المطلوبة فيما يخاطب به عامة الناس في عامة العصور.
وأعجب شيء أن يقال عن النبي إنه استسلم للذات الحس؛ وقد أوشك أن يطلق نساءه أو يخيرهن في الطلاق لأنهن طلبن إليه المزيد من النفقة وهو لا يستطيعها.
فقد شكون - على فخرهن بالانتماء إليه - أنهن لا يجدن نصيبهن من النفقة والزينة، واجتمعت كلمتهن على الشكوى، واشتددن فيها حتى وجم النبي وهم بتسريحهن، أو تخييرهن بين الصبر على معيشتهن والتسريح.
وذهب إليه أبو بكر يوما «يستأذن عليه فوجد الناس جلوسا لا يؤذن لأحد منهم ثم دخل أبو بكر وعمر من بعده، فوجدا النبي جالسا وحوله نساؤه واجما ساكنا. فأراد أبو بكر أن يقول شيئا يسري عنه، فقال: «يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة! سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها» فضحك رسول الله وقال: «هن حولي كما ترى يسألنني النفقة! ... فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، ويقولان: «تسألن رسول الله ما ليس عنده؟»
فقلن: «والله لا نسأل رسول الله شيئا أبدا ليس عنده» ثم اعتزلهن الرسول شهرا أو تسعة وعشرين يوما، فنزلت بعدها الآية التي فيها التخيير وهي:
يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما (الأحزاب: 28، 29).
فبدأ الرسول بعائشة فقال لها: «يا عائشة! ... إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب ألا تتعجلي فيه حتى تستشيري أبويك ...»
قالت: «وما هو يا رسول الله؟» فتلا عليها الآية ...
قالت: «أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ ... بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة ...» ثم خير نساءه كله فأجبن كما أجابت عائشة، وقنعن بما هن فيه من معيشة كان كثير من زوجات المسلمين يظفرن بما هو أنعم منها.
علام يدل هذا؟
Unknown page