في المسجد يصلي والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته، فلما فطن النبي
صلى الله عليه وسلم
لاستماعه أعاد قراءة الآية، فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه من بني مخزوم، فقال: «والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يعلى ... ثم انصرف إلى منزله.»
فقالت قريش: «صبأ والله الوليد ولتصبون قريش كلهم.» فأوفدوا إليه أبا جهل يحتال لصرفه عن الإسلام إن كان قد نوى الدخول فيه، وما زال به حتى قام معه إلى مجلس قومه، فقال لهم: «تزعمون أن محمدا مجنون، فهل رأيتموه يخنق قط؟ تزعمون أنه كاهن، فهل رأيتموه تكهن قط؟ تزعمون أنه شاعر وما فيكم أحد أعلم بالشعر مني، فهل رأيتموه ينطق بشعر قط؟ تزعمون أنه كذاب، فهل جربتم عليه شيئا من الكذب؟»
يسألهم ويجيبونه: «كلا»، في كل سؤال.
حتى أعياهم أن يردوا كلامه، فسألوه رأيه في تفسير بلاغة القرآن، ففكر ثم قال: «ما هو إلا سحر يؤثر! أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه؟ فهو ساحر وهذا هو السحر المبين ...» فذاك إذ يقول القرآن الكريم:
إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم أدبر واستكبر * فقال إن هذا إلا سحر يؤثر (المدثر: 18-24).
واختلف المفسرون في تفسير المعنى المقصود بالعتل الزنيم الذي قيل إنه نزل فيه.
فرأى بعضهم أن الزنيم هو الدعي، وأن الوليد بن المغيرة يوصف به؛ لأن أباه ادعاه بعد ثماني عشرة من مولده.
ورأى بعضهم أن الزنيم وصف له من زنمة كان يعرف بها في عنقه، وهي اللحمة المدلاة، ويخالفهم آخرون فيقولون إن الرجل الذي كان يعرف بهذه الزنمة هو الأخنس بن شريق، وكان أصله من ثقيف وعداده في زهرة.
Unknown page