Cabqariyyat Imam Cali
عبقرية الإمام علي
Genres
وعلى هذا كله، حاسنوه ولم يصارحوه بعداء ... لم يكن الجيش الذي خرج من مكة إلى البصرة بيائس من الخروج إليها، إذا لم يصحبه طلحة والزبير، فقد كان «العثمانية» في مكة حزبا موفور العدد والمال ... فهي مسألة تلتبس فيها الطرائق، ولا يسعنا أن نجزم بطريقة منها أسلم ولا أضمن عاقبة من الطريقة التي سلكها الإمام، وخرج منها غالبا على الحجاز والعراق، وما كان وشيكا أن يغلب عليهما لو بقي معه طلحة والزبير على فرض من جميع الفروض التي قدمناها.
أما عزل قيس بن سعد من ولاية مصر، فهي غلطة من غلطات الإمام يقل الخلاف فيها ...
لأن قيس بن سعد كان أقدر أصحابه على ولاية مصر وحمايتها، وكان كفؤا لمعاوية وعمرو بن العاص في الدهاء والمداورة؛ فعزله الإمام لأنه شك فيه ... وشك فيه لأن معاوية أشاع مدحه بين أهل الشام، وزعم أنه من حزبه والمؤتمرين في السر بأمره.
وكان أصحاب علي يحرضونه على عزله، وهو يستمهلهم ويراجع رأيه فيه حتى اجتمعت الشبهات لديه ... فعزله وهو غير واثق من التهمة، ولكنه كذلك غير واثق من البراءة.
وشبهاته مع ذلك لم تكن بالقليلة ولا بالضعيفة، فإن قيس بن سعد لم يدخل مصر إلا بعد أن مر بجماعة من حزب معاوية، فأجازوه ولم يحاربوه وهو في سبعة نفر لا يحمونه من بطشهم، فحسبوه حين أجازوه من العثمانية الهاربين إلى مصر من دولة علي في الحجاز ...
ولما بايع المصريون عليا على يديه، بقي العثمانيون لا يبايعون ولا يثورون، وقالوا له: «أمهلنا حتى يتبين لنا الأمر.» فأمهلهم وتركهم وادعين حيث طاب لهم المقام بجوار الإسكندرية. •••
ثم أغراه معاوية بمناصرته والخروج على الإمام، فكتب إليه كلاما لا إلى الرفض ولا إلى القبول، ويصح لمن سمع بهذا الكلام أن يحسبه مراوغا لمعاوية، أو يحسبه مترقبا لساعة الفصل بين الخصمين ... إذ كان ختام كتابه إليه: «... أما متابعتك فانظر فيها، وليس هذا مما يسرع إليه وأنا كاف عنك فلا يأتيك شيء من قبلي تكرهه، حتى نرى وترى.»
ثم اشتد في وعيده حين أنذره معاوية فقال: «أما قولك أني مالئ عليك مصر خيلا ورجلا، فوالله إن لم أشغلك بنفسك حتى تكون نفسك أهم إليك إنك لذو جد والسلام.»
وأراد الإمام أن يستيقن من الخصومة بين قيس ومعاوية، فأمر قيسا أن يحارب المتخلفين عن البيعة ... فلم يفعل وكتب إليه: «... متى قاتلنا ساعدوا عليك عدوك، وهم الآن معتزلون والرأي تركهم.»
فتعاظم شك الإمام وأصحابه، وكثر المشيرون عليه بعزل قيس واستقدامه إلى المدينة ... فعزله واستقدمه، وتبين بعد ذلك أنه أشار بالرأي الصواب، وأن ترك المتخلفين عن البيعة في عزلتهم خير من التعجيل بحربهم؛ لأنهم هزموا محمد بن أبي بكر والي مصر الجديد، وجرءوا عليه من كان يصانعه ويواليه ...
Unknown page