من شحم، وقال: احمله علي، قلت: أنا أحمله عنك. قال: أنت تحمل وزري يوم القيامة؟! لا أم لك!
فحملته عليه، وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئا فجعل يقول لها: ذري علي وأنا أحر لك.
22
وجعل ينفخ تحت القدر، وكانت لحيته عظيمة، فرأيت الدخان يخرج من خلالها حتى طبخ لهم، ثم أنزلها وأفرغ الحريرة في صحفة وهو يقول لها: أطعميهم وأنا أسطح لهم - أي أبرده - ولم يزل حتى شبعوا وهي تقول له: جزاك الله خيرا، كنت بهذا الأمر أولى من أمير المؤمنين.»
وأمثال هذه القصة في سيرة عمر كثير، لا يقال إنها هي ومثيلاتها من الشعور بالتبعة وليست من الرحمة؛ لأن العهد بالشعور بالتبعة أن يأتي من الرحمة، وليس العهد بالرحمة أن تأتي من الشعور بالتبعة!
كذلك لا يقال إنه قد كان يطيع أمرا سماويا تحركت له نفسه، أو لم تتحرك، فإن النفس التي تتحرك للأمر السماوي هي النفس التي فيها الخير، ولها رغبة فيه، وقلما تشفق من عقاب السماء، إلا أن تشعر بأمل الظلم، ومبلغ استحقاقه للعقاب.
على أن عمر كان يرحم في أمور يحول فيها النفور الديني دون الرحمة عند كثيرين.
فمن ذلك أنه رأى شيخا ضريرا يسأل على باب، فلما علم أنه يهودي قال له: ما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن! فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله، فأعطاه ما يكفيه ساعتها، وأرسل إلى خازن بيت المال يقول: انظر هذا وضرباءه،
23
فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته، ثم نخذله عند الهرم، إنما الصدقات للفقراء والمساكين، والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب ... ووضع عنه الجزية وعن ضربائه.
Unknown page