Cabqari Islah Wa Taclim Imam Muhammad Cabduh
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
Genres
ونحسب أن هذا الاتفاق بين الخلقين هو أصح تفسير لتلك السجية البينة في طوية مصلحنا العظيم؛ أمل لا حد له في الخير، وفهم للواقع العملي لا يضل طريقه بين الشعاب المتفرقة في مسالك الإصلاح.
ولقد تصوف مصلحنا العظيم زمنا في صباه، ولا نخاله ابتعد من طريق المتصوفة إلى ختام حياته.
وقد درس حكمة الفلاسفة النظريين، كما درس فلسفة المعتزلة وعلماء الكلام ومذاهب الفقهاء من أسرى النصوص ومن أصحاب التأويل.
ولم يكن قط من «أهل الظاهر» الذين يأخذون بالحرف ويدينون بالتقليد.
ولكنه كذلك لم يكن قط من «أهل الباطن» الذين يفهمون «الباطنية» على أنها رفض للظاهر وانقطاع عن الواقع، ونبذ الحياة وانصراف عن شواغل المعيشة التي يشتغل بها الأحياء في دنياهم، أو يحسبون الباطنية ضربا من «الدروشة » والمسكنة المختارة على مذهب المجاذيب من أبناء الطريق.
إنما كان رفضه للظاهر رفضا للقشور وألوان الطلاء، وكان بحثه عن الباطن بحثا عن حقيقة المعنى الصحيح من وراء اللفظ السقيم.
إنما كان رفضه للظاهر المموه بحثا عن الواقع الذي خلص من التمويه، فهو واقعي عملي في صميم الواقع الذي يصلح للعمل النافع، وهو يقترب من وسائل العمل كلما ابتعد من ظاهر الطلاء والتمويه فيما يتداوله الناس من الأباطيل، وغيره على غير هذه السجية يبتعدون من حياة العمل الواقعة كلما أمعنوا في البحث عن باطنهم المحجوب أو عن خيالهم البعيد.
فهو مصلح فيلسوف بكل ما شئنا من معاني الإصلاح والفلسفة.
هو مصلح يتصل إصلاحه بالتفكير كما يتصل بالعمل، وهو فيلسوف حين تكون الفلسفة حكمة يروض بها الحكيم نفسه على المسلك الذي ينبغي له كما يراه، والغاية التي يسعى إليها كما هداه الفكر إليها، وهو فيلسوف حين تكون الفلسفة بحثا عن سر الوجود، ورأيا في كليات الحقائق يحيط بأجزائها ويستعان به على تفسير تلك الأجزاء.
وقد كان يفهم الفلسفة على هذا المعنى في مستهل حياته العلمية حين كان المفكرون يفسرونها على وجوه مختلفة لا تطابق معناها، وكان يوما بمجلس علي مبارك باشا وزير المعارف، وفي المجلس من فضلاء المفكرين الدكتور يعقوب صروف محرر المقتطف، وكان بعض الصحف قد سمى كاتبا من كتاب العصر بالفيلسوف على غير حق في رأي الدكتور صروف، فقال الدكتور: إن الناس قد ابتذلوا هذه الكلمة حتى صاروا يطلقونها على غير أهلها، وتساءل الحاضرون من يكون الفيلسوف إذن على المعنى الصحيح؟ فقال الدكتور في رواية الأستاذ رشيد رضا: هو الذي يتقن جميع العلوم ... قال الشيخ محمد عبده: إذن لا يوجد على الأرض فيلسوف. وعاد الدكتور يقول ما معناه: إنه لا بد من أن يتقن علما من العلوم ويلم بسائرها. فقال الشيخ محمد عبده: إن الذين يتعلمون على الطريقة الحديثة يخرجون من المدارس العالية، وقبلها الثانوية، على إلمام بالعلوم ويتقنون بعضها ، فما أكثر الفلاسفة بين الأطباء والمهندسين والطلاب بهذا المعنى! ثم قال: إن الفيلسوف كما يفهمه هو الذي له رأي ومذهب في العقليات والاجتماعيات يمكنه الاستدلال عليه والمدافعة عنه.
Unknown page