ونهض الفقيه ابن عبد البر وهو يقول: «وأنا أريد أن يسمح لي الأمير عبد الله بالانصراف إلى منزلي.»
أما عابدة فلما أحست ببقائها وحدها، نظرت إلى سعيد وقد توردت وجنتاها من الحياء لبقائها وحدها هناك ، فتقدم سعيد إليها وربت على كتفها وقال لها: «لا تخشي شيئا يا عابدة، إنك في رعاية الأمير عبد الله، وستكونين معززة مكرمة.» والتفت سعيد إلى الأمير عبد الله وقال: «هل يأمر مولاي بإحضار القهرمانة لمرافقة عابدة إلى دار النساء فتأنس بها؟»
فأمر الأمير عبد الله بإحضار القهرمانة، فأتت إلى باب القاعة فخرجت عابدة معها وهي تلتفت إلى سعيد وقد شق عليها فراقه.
أما سعيد والفقيه، فودعا الأمير عبد الله، وركب كل منهما بغلته وانصرفا، ولما خرجا من الحديقة قال الفقيه لسعيد: «لا نلبث أن نصل إلى منزلي، فهل تبيت عندي الليلة؟»
قال سعيد: «لا بأس من ذلك.» وسارا في طريقهما، وقد سر الفقيه بنزول سعيد عليه؛ لأنه أراد الاستعانة به في إقناع الأمير عبد الله بما أراده ضد أخيه الحكم، ولم يعلم أن سعيدا أكثر منه رغبة في ذلك، ولكنه كان أكثر دهاء وأوسع صدرا.
دعا الفقيه سعيدا إلى غرفة واسعة فيها سراج مضيء، وقد فرشت أرضها بالحصر والأبسطة المتواضعة، وأمر الفقيه خادمه أن يعد لهما فراشين في تلك الغرفة ففعل، وأخذ الفقيه في تبديل ثيابه، وأحضر لسعيد ثوبا خفيفا لتبديل ثيابه أيضا، وبعد أن فرغا من ذلك، جلس كل منهما على فراشه وسعيد يقرأ كل حركة من حركات الفقيه، كأنه في ضميره، والفقيه يحاول أن يحتال في إغرائه على الأمير عبد الله.
الفصل الثاني والعشرون
المؤامرة
فلما جلسا، قال الفقيه لسعيد: «إننا قمنا بأشياء كثيرة في هذا اليوم.»
قال سعيد: «ولكنه انتهي بخير. إن الأمير عبد الله رجل فاضل عاقل، وأظنك تتردد عليه كثيرا، فليتك تقيم عندنا، فنسكن معا ونتعاون على الدرس، وتتفرغ لخدمته. إني أشعر بميل شديد إليه، ولا أدخر وسعا في تحقيق كل ما يرضيه لما آنسته من لطفه وتواضعه.»
Unknown page