قال سعيد: «أراه أحسنهم جميعا. إني أرى التقوى ظاهرة على وجهه، وأظنهم لو خيروه في ملبسه لاختار الجبة والعمامة العادية، وكان في غنى عن هذه الملابس الفاخرة بما يزينه من الخصال الحميدة.»
فقال الفقيه: «لقد أصبت بفراستك يا سعيد كبد الحقيقة، إن الأمير عبد الله يفعل ذلك في منزله، فإنه من الزهد والتقوى على جانب عظيم، حتى تكاد لا تجد عنده من الخصيان أحدا، وهو على غير رأي والده؛ ولذلك سموه الزاهد، وله شعر جيد.»
2
فقطع سعيد كلامه قائلا: «هذا هو الرجل المطلوب. إنه إذا تولى الخلافة أعادها إلى رونقها من الأدران الخارجية.»
فهمس الفقيه في أذن سعيد: «دعنا من هذا الآن.»
وجاء بعد عبد الله إخوته؛ عبد العزيز، فالأصبع، فمروان. ثم أشار الخليفة إلى الخصيان الأكابر الموكلين باستقبال الناس، وإدخالهم إلى مجالسهم - وفي جملتهم ياسر - أن يدخلوا سائر بني مروان، فدخل المنذر، ثم عبد الجبار، ثم سليمان، فجلسوا عن يسار الخليفة. ثم دخل الوزراء فجلسوا يمينا ويسارا، وأخيرا دخل الفقهاء فاندس الفقيه ابن عبد البر وسعيد في جملتهم وجلسوا في أماكنهم المخصصة لهم.
ودخل الشعراء فاحتلوا أماكنهم، واصطف الحجاب من أهل الجندية من أبناء الوزراء، والموالي، والوكلاء، وغيرهم، وقوفا في أطراف البهو وراء جدار قصير يفصل البهو عن شبه الرواق حوله. فكان من ذلك منظر يتهيب له الشجاع، وقد زاده هيبة سكوت الناس، حتى الخليفة وأولاده.
وجاء ياسر بعد قليل فوقف بحيث يعلم الخليفة إذا وقف هناك أن عنده أمرا يريد عرضه عليه، فاستقدمه فقال له: «إن الرسل في البهو الخارجي، فهل يأمر مولاي بإدخالهم؟»
فقال الخليفة: «أدخلهم.»
فعاد ياسر، وقد علم الحاضرون أن الرسل قادمون، فاتجهت الأبصار نحو الباب، وإذا بياسر قد عاد ثم تنحى فتقدم الرسل خاشعين؛ وهم بضعة رجال يرأسهم واحد منهم، وقد ارتدوا ملابس كبار الروم، فتقدم الرئيس، وكان يرتدي القلنسوة والبرنس فخلعهما قبل دخوله، فتناولهما أحد الخدم، وفعل مثل ذلك زملاؤه من الرسل.
Unknown page