فقال لها ساهر: «أنت طبعا تعرفين منزله ومخبآته في قرطبة وأرباضها؟»
قالت عابدة: «أعرف، نعم أعرف كثيرا من أحواله.»
قال ساهر: «اتبعيني» ومشى نحو غرفة الخليفة فلقى تماما رئيس الخصيان، فقال له: «إن هذه الجارية تعرف كثيرا من مخبآت ذلك الخائن لأنها كانت معه، وقد خدعها وخانها، وكاد يقتلها. فهي تدلنا عليه إذا أمر الخليفة بفرقة ترافقنا، فنذهب الآن للبحث حالا.»
فدخل تمام على الناصر، وقص عليه ما قاله ساهر، فأمر أن يرسلوا معه فرقة من الفرسان الأشداء، ومعهم عابدة ترشدهم إلى المكان، فهيئوا الأفراس وأعدوا لعابدة فرسا ركبت عليه، وركب ساهر على فرس إلى جانبها، وقد أعجبه ما ظهر من أدبها، وكان قد استلطفها كثيرا منذ رآها في قصر مروان منزل الأمير عبد الله، وتولدت فيه حاسة الشفقة عليها بعد أن عرف حقيقة أمرها، وكان حسن السريرة مخلص الطوية شديد الحب، مع أنه خصي لا يرجو من وراء الحب غير تعب القلب، ولكنه كان قد أحب الزهراء إلى درجة العشق، وكان يكفيه من حبها أن تبتسم له وتظهر رضاها عنه، وقد خدمها بالتجسس على عبد الله كما أوحت إليه؛ ولذلك كان من أكثر الناس غضبا على سعيد لفراره بها.
الفصل الحادي والسبعون
الفخ
أما سعيد فقد تركناه على ظهر السفينة ومعه الزهراء، وقد تولاها الخوف وأوشكت أن تيأس من النجاة، لكنها صبرت نفسها لترى عاقبة الصبر، وقد سارت السفينة بهم ساعة والريح خفيفة، وسعيد يحاول استرضاء الزهراء وهي لا تزداد إلا اضطرابا، تنتقل في السفينة من جانب إلى جانب، وتتطلع إلى الشاطئ والظلام يحجب الشاطئين عنها. لولا ما تراه من بصيص الأنوار في بعض الأماكن.
وكان جوهر في أثناء ذلك متشاغلا لا يتكلم، فرأت سعيدا يغافل جوهرا ويدور من ورائه وبيده كيس معلق بحبل قد حمله سعيد ، ومشى الهوينى وجوهر مشتغل بربط حبل الشراع إلى السارية، وقد وقف على حافة السفينة والظلام حالك والرجل في غفلة، فاستغربت الزهراء ذلك التلصص ولم تفقه له معنى. على أنها لم يطل نظرها في الأمر حتى رأت سعيدا قد وثب على جوهر، فجعل ذلك الحبل حول عنقه ورفسه برجله فسقط في الماء إلى قاع النهر، فصاحت الزهراء: «ويلك! ماذا فعلت؟» ووقفت وركبتاها ترتجفان وهي تنظر إلى الماء تتوقع أن يسبح جوهر، فلم يفعل لأنه كان في الكيس حجر هبط به إلى القاع، فصاحت: «ما هذا؟» فتجاهل سعيد ثم قال: «لعل جوهرا سقط في الماء.»
فقالت الزهراء: «تقول ذلك وأنت الذي أغرقته؟!»
قال سعيد: «ما لنا وله! دعينا وحدنا.»
Unknown page