من الراح فيما بيننا لم تسرب
وكان في تلك الحجلة حق من الذهب فيه بخور، أمرت الزهراء بإحراق شيء فيه، فتصاعدت رائحته واختلطت بروائح الطيب.
وحالما علمت الزهراء أن الخليفة قادم إليها، أمرت بإيقاد الشموع، وتهيأت لاستقباله بذلك الثوب الجميل، كأنها لم تفعل شيئا يوجب عتابا أو مؤاخذة.
الفصل الثامن والأربعون
العتاب
ترك الخليفة غرفته وهو يغالب غضبه ويكظم غيظه، فلما أقبل على غرفة الزهراء كانت قد خرجت لاستقباله وهي تجر ذيل ثوبها تيها. ثم وقفت تنتظر ما يبدو منه، فرأته ظل ماشيا لا يلتفت إليها فأحبت أن تبادئه، فهمت بيده وأكبت عليها كأنها تريد تقبيلها، فاجتذبها من بين يديها، وظل ماشيا إشارة إلى غضبه عليها، فمشت في أثره وهي مطرقة بلا تذلل أو خوف، وأظهرت العتاب لهذا الجفاء. أما هو، فظل ماشيا حتى تصدر القاعة فجلس على وسادة غاضبا، ولم يدع الزهراء للجلوس، فظلت واقفة. ثم رفع بصره إليها فرآها توجه إليه نظرة عتاب بما يعجز عنه اللسان، فصبر لعلها تقول شيئا، فبسطت كفها وقدمتها له فقرأ عليها بيتا منقوشا بالحناء وهو:
فديتك قد جبلت على هواكا
فقلبي ما ينازعني سواكا
فلما وقع نظره عليه وجد للكلام سبيلا، فحول وجهه عن تلك الكف وقال: «قد كان ذلك من عهد بعيد.» وهز رأسه هزة الغضب.
فقالت الزهراء: «هل يأذن لي أمير المؤمنين بالجلوس؟»
Unknown page