فقال ياسر: «وإذا لم يفعل، ما ظنك بعبد الله؟»
قال سعيد: «هل تحسبه لا يزال على سذاجته وتساهله؟! إن الأمير قد تغير.»
قال ياسر: «قد تغير؟ بشرك الله بالخير. هل فطن لنفسه وما آلت إليه حال الدولة؟»
قال سعيد: «لاحظت منه أنه لا يسكت على الضيم إذا سامه إياه أبوه.»
وكانا يتحادثان وهما يمشيان في ذلك العريش، يسمعان تغريد البلابل وأصوات الكراكي، وقد بهر سعيدا كل ما رآه هناك، وإن لم يصل بعد إلى الموضوع الذي يهمه حقيقة، ولكنه استبشر بقرب الوصول إليه، وهو على قاب قوسين منه، ورأى أنه أبطأ في إيصال الكتاب إلى الناصر فقال: «ألا تأخذ الكتاب إلى صاحبه؟»
فقال ياسر: «بلى. هل تأتي معي؟»
قال سعيد: «أرافقك إلى قصر الخلافة، وإذا أمر الخليفة بدخولي فعلت.»
الفصل الخامس والثلاثون
مجلس الخليفة
قال ياسر: «حسنا.» ومشى وسعيد يمشي إلى جانبه، واتجهت أنظار الخدم نحوه هذه المرة؛ لأنه مع ياسر رئيس الخصيان، وهو صاحب النفوذ الأكبر في قصر الناصر، والناس لا يعرفون ما جد في العلاقة بينه وبين الخليفة، ولكن سعيدا شغل عن كل ذلك بفخامة قصر الخلافة، فما أطل على بابه حتى بهره ما زين به من الذهب، وما على عتبته من بديع النقش، وقد وقف الحجاب تعظيما لياسر، فحياهم ثم سألهم: «هل عند أمير المؤمنين أحد؟»
Unknown page