Cabd Rahman Kawakibi
عبد الرحمن الكواكبي
Genres
الفصل الحادي والعشرون
وسيلة التنفيذ
عرضنا فيما تقدم برنامج الإصلاح في دعوة الكواكبي من أهم جوانبها السياسية والاجتماعية.
ويبدو من النظرة العاجلة - كما يبدو في إطالة النظر في هذه البرامج - أنها خطة ثورية لقلب نظام الحكم المطلق في بلاد العرب، وإقامة الحكم القومي على أساس الشورى في تلك البلاد.
فما هي وسيلة الكواكبي إلى تحقيق تلك الخطة الثورية؟
إنه لم يكتمها وإن أخفى غايتها التي لا خفاء بها مع العلم بمقدماتها ...
وسنرى أنه كان «واقعيا عمليا» في وسيلته، كما كان «واقعيا عمليا» في دعوته، فإن وسيلته التي اطمأن إليها كافية لتحقيق الغاية القصوى كما يريدها، وعلينا أن نتذكر تلك الغاية القصوى ونحصرها في نطاقها؛ لكي نعلم كفاية الوسيلة لتحقيق الغاية منها.
علينا أن نذكر أنه كان يريد قلب نظام الحكم المطلق في بلاد العرب، ولم يكن ذلك موقوفا على قلب هذا النظام في الدولة العثمانية أو قلب نظام الحكم في القسطنطينية عاصمة السلطان العثماني ومركز الحكومة التركية، فإن قلب الحكومة المستبدة في الدولة التركية قد يحتاج إلى وسيلة غير وسيلته المختارة لتحرير بلاد العرب واستقلالها بشئونها، سواء تم هذا الاستقلال دفعة واحدة أو جاء على درجات تترقى من الحكم الذاتي إلى تمام الاستقلال.
كان «الكواكبي» عربيا بتفكيره وشعوره في ثقته الكبرى «بقوة الكلمة» أو قوة الدعوة المنتظمة، وتتراءى هذه الثقة القوية بفعل الكلمة في إيقاظ الشعوب من عنوان كتاب «طبائع الاستبداد» الذي أردفه على الغلاف بسطر يقول فيه إنه «كلمات حق وصيحة في واد، إن ذهبت اليوم مع الريح لقد تذهب غدا بالأوتاد».
ومن ثقته بفعل الدعوة المنتظمة قوله في مقدمة أم القرى: «أيقنوا أيها الإخوان أن الأمر ميسور وأن ظواهر الأسباب ودلائل الأقدار مبشرة أن الزمان قد استدار ونشأ في الإسلام أقطاب أحرار وحكماء أبرار، يعد واحدهم بألف وجمعهم بألف ألف، فقوة جمعية منتظمة من هؤلاء النبلاء كافية لأن تخرق طبل حزب الشيطان وتسترعي سمع الأمة مهما كانت في رقاد عميق، وتقودها إلى النشاط وإن كانت في فتور مستحكم عتيق ... لأن الجمعيات المنتظمة يتسنى لها الثبات على مشروعها عمرا طويلا يفي بما لا يفي به عمر الواحد الفرد، وتأتي بأعمالها كلها بعزائم صادقة لا يفسدها التردد، وهذا هو سر ما ورد في الأثر من أن يد الله مع الجماعة، وهذا هو سر كون الجمعيات تقوم بالعظائم وتأتي بالعجائب، وهذا هو سر نشأة الأمم الغربية، وهذا هو سر النجاح في كل الأعمال المهمة؛ لأن سنة الله في خلقه أن كل أمر - كليا كان أو جزئيا - لا يحصل إلا بقوة وزمان متناسبين مع أهميته، وأن كل أمر يحصل بقوة قليلة في زمان طويل يكون أحكم وأرسخ وأطول عمرا مما إذا حصل بمزيد قوة في زمان قصير، وكلنا يعلم أن مسألتنا أعظم من أن يفي بها عمر إنسان لا ينقطع، أو مسلك سلطان لا يطرد، أو قوة عصبية حضرية حمقاء تفور سريعا وتغور سريعا ...»
Unknown page