كذلك كانت هي أيضا الشرط الضروري لتحقيق العدالة الاجتماعية (هدف العدل) ولقد اقترنت الإجراءات التي نقلت الملكية لوسائل الإنتاج الرئيسية بعدد من الإجراءات الأخرى التي كانت تستهدف عدالة التوزيع، أذكر من هذه الإجراءات القرارات الصادرة في 19 يوليو 1961م بتخصيص 25٪ من أرباح المؤسسات والمشروعات والشركات التابعة للقطاع العام للعاملين بها، والذي امتد تطبيقه بعد ذلك إلى الشركات المساهمة وما يماثلها، وتمثيل العاملين في مجالس إدارات الشركات بعضوين وزاد العدد فيما بعد إلى أربعة أعضاء يكون اختيارهم بطريق الانتخاب. هذا فضلا عن تحديد الحد الأقصى للمرتبات بخمسة آلاف جنيه، ورفع فئات الضرائب على شرائح الدخول العالية وتخفيض ساعات العمل إلى 7 ساعات، وإلغاء الفائدة على القروض التي يقدمها بنك التسليف الزراعي للفلاحين، والتوسع في تطبيق التأمينات الاجتماعية ، على نحو يجعلها تغطي كافة المخاطر التي يتعرض لها العاملون.
ومن هنا فإن الدكتور فؤاد زكريا يتفق معنا في أن نزع مصادر الثروة والإنتاج من أيدي الإقطاعيين والرأسماليين والأفراد وإقامة قاعدة صناعية قوية يمكن أن تكون نواة لتحول اشتراكي حقيقي في المستقبل - كما يقول - هو ما يدافع عنه اليسار الآن في مواجهة الزحف اليميني الذي يريد أن يلتهم إنجازات شعب بأكمله لمجرد أن أتيحت له الفرصة في التعبير عن وجهة نظره. (3)
والآن، هل كان اليسار المصري هو الذي برر أخطاء التجربة وامتنع عن إعادة التقييم؟
لم يقف اليسار هذا الموقف، بل إنه هو نفسه اليسار. واليسار الذي نما مع التجربة ذاتها، هو الذي رفع شعارات الحرية وسيادة القانون، وهو الذي طالب ببداية جادة وجديدة لمسيرة ثورة 23 يوليو، واليسار هو نفسه الآن الذي يناقش ما ألم بالتجربة من سلبيات.
كذلك الجماهير العريضة هي التي حمت التجربة الثورية من الانتكاس، وإذا كان الدكتور فؤاد زكريا يتخذ من استقبال نيكسون مؤشرا لاستفتاء جماهيري على تجربة «جمال عبد الناصر» فماذا يقول عن هبة الجماهير المصرية يومي 9، 10 يونيو؟! ألم تكن استفتاء على تجربة جمال عبد الناصر؟!
أيضا أليس وداع الجماهير المصرية لجمال عبد الناصر عند رحيله استفتاء شعبيا على تجربته؟!
بقيت كلمة أخيرة؛ وهي أن أخطر ما نتعرض له الآن هو خطأ التعميم، صحيح أن التجربة شابها الكثير من السلبيات لكن هناك الكثير من الإنجازات التي لا يمكن إخفاؤها وأبرزها على سبيل المثال لا الحصر، بالإضافة إلى القاعدة الصناعية، السد العالي، شبكات الكهرباء، المياه النقية في الريف، كهربة الريف، الاتساع الكمي الهائل في التعليم والكيفي أيضا.
حمدان جعفر (مدير تحرير مجلة «النقل البري»)
اليسار المصري وعبد الناصر، وسكان الأبراج العاجية
تأتي دراسة الدكتور فؤاد زكريا عن اليسار وجمال عبد الناصر في مرحلة هامة من مراحل تطور الحركة الوطنية في مصر، مرحلة تحاول فيها قوى اليمين الرجعي العودة بمصر إلى أحضان الرأسمالية العالمية، وبالمجتمع المصري إلى بناء رأسمالي متخلف ومرتع للاستثمارات الأجنبية، ويقف اليسار بجميع فصائله موقف المدافع عن تقدم مصر اقتصاديا واجتماعيا وحضاريا، ومن هذا المنطلق فإن أي مصري يرحب بدراسة الدكتور زكريا كمساهمة في هذا الصراع الدائر الآن.
Unknown page