ولعل لا ينسى، إن لم تكن خانته الذاكرة، أن شباب ثورة 23 يوليو بالذات، والعناصر اليسارية منه بوجه خاص التي تربت في أحضان منظمة الشباب الاشتراكي التي كانت وما زالت إحدى التنظيمات التي أقامها العهد الناصري، هي التي قادت المسيرات الطلابية، عقب الهزيمة مباشرة، وطالبت ببداية جديدة للأمور ورفعت شعارات سيادة القانون والحريات، ولعل الدكتور لا ينسى الشعار، الذي توجه به شباب مصر إلى الرئيس أنور السادات وكان وقتئذ رئيس مجلس الشعب «أنور يا سادات ... فين قانون الحريات».
كان اليسار الناصري هو أول من رفع شعارات الحرية، وسيادة القانون، ووضع بداية جادة للأمور، وإسقاط كافة السلبيات التي كان اليسار أول من نبه إليها.
ولم تكن حركة اليسار الناصري هذه نابتة من فراغ ... بل إنها نتيجة التفاعل الفكري الخلاق بين اليسار الناصري واليسار القديم اللذين أتيحت لهما الفرصة أن يلتقيا في منظمة الشباب الاشتراكي عند بداية تكوينها عام 1965م.
ولم يكن اليمين سعيدا بحركة الشباب عام 1968م، بل إنه هاجمها وأدانها سواء فيما كتبته الأقلام الرجعية في تلك الفترة، بل لعل الدكتور فؤاد زكريا يذكر أن مجلس الشعب عقد جلسة عاصفة، هاجم فيها اليمين منظمة الشباب الاشتراكي، باعتبارها هي أساس بلاء الشباب «بجرثومة الاهتمامات العامة».
ولقد كانت حركة الشباب بالإضافة إلى الحركة الجماهيرية هي التي مهدت لصدور بيان 30 مارس 1968م الذي ما زال أحد الوثائق الفكرية الهامة لثورة 23 يوليو 1952م. (2)
انتصار السادس من أكتوبر المجيد، تحقق بإرادة الشباب المصري. صحيح أن القيادة السياسية خططت وكانت موفقة إلى أبعد الحدود في اختيار الزمان المناسب لبدء الهجوم، وحقيقة أن القرار كان من أعظم القرارات التاريخية، التي اتخذتها القيادة السياسية، لكن الذين وضعوا القرار موضع التنفيذ الفعلي هم جيل ثورة 23 يوليو الذي يرى الدكتور فؤاد زكريا أنهم خرجوا من تجربة الناصرية متبلدي الإحساس، مخربة عقولهم ووجدانهم.
والتعميم الثاني هو أن التجربة ليس لها من الاشتراكية إلا اسمها، وأنا هنا أختلف مع الدكتور فؤاد زكريا، وأقول إن التجربة لم تسم نفسها بالاشتراكية، وجمال عبد الناصر نفسه كان دائما يقول: إننا في مرحلة تحول إلى الاشتراكية، وكيف نحكم على تجربة عمرها لم يتعد أربع سنوات! لقد تم الاعتداء الخارجي على التجربة قبل أن تبدأ عامها الخامس، فالتحول إلى الاشتراكية تم في مصر في منتصف عام 1962م، وجاءت الضربة الخارجية في 5 يونيو 1967م ومن هنا، فليس من الصواب أن تقول إن التجربة اكتملت وإن علينا أن نحكم بمقدار ما حققت من نجاح أو فشل.
وبرغم هذا العمر القصير للتجربة، فإن اليسار المصري عموما واليسار الذي نما في مدرسة جمال عبد الناصر قد انتقد التجربة أثناء مسيرتها، في كل وقت أتيحت له فيها حرية الكتابة أو الالتقاء بالقيادة السياسية.
ولقد كان خطأ التجربة الناصرية هو أنها كانت تتم من قمة السلطة؛ فلقد كان جمال عبد الناصر في قمة السلطة يحاول بحسه الثوري أن يحدث تغييرا ثوريا في المجتمع المصري اعتمادا على جهاز الدولة البيروقراطي القديم، وتلك قضية أخرى لا أود التعرض لها الآن، إلا أنه يمكن القول بأنه حتى بجهاز الدولة البيروقراطي القديم استطاعت «الناصرية» أن تجعل الشعب يسيطر على وسائل الإنتاج الأساسية.
ولعل الدكتور فؤاد زكريا لا يختلف معنا إذا قلنا إن سيطرة الشعب على وسائل الإنتاج الرئيسية هي الشرط الضروري الذي يفتح الطريق على مصراعيه للتخطيط الشامل، والتنمية الاقتصادية والزيادة السريعة في الإنتاج ... (هدف الكفاية).
Unknown page