فقال الساحر: نعم يا مولاي، هو طفل حديث العهد بالوجود، لم ير نور الدنيا إلا صباح اليوم. - فمن أبواه؟ - أما أبوه فهو من رع الكاهن الأكبر لرع معبود أون، وأما أمه فالسيدة الشابة رده ديديت التي تزوجها الكاهن على كبر لتلد له هذا الطفل الذي كتب في سجل الأقدار من الحاكمين.
فقام فرعون هائجا كالأسد المتوثب، وقام لقيامه القاعدون، ودنا من الساحر خطوتين فزاغ بصر الرجل وكتمت أنفاسه، وقال له: أواثق أنت مما تقول يا ديدي؟
فرد الساحر قائلا بصوت مبحوح: لقد كاشفتك يا مولاي بما طالعتني به صفحة الغيب!
فقال له الملك: لا تخف ولا تحزن؛ فلقد بلغت رسالتك، وستنال ما تستحق من الجزاء الحسن.
ونودي على حاجب من حجاب القصر، وأمر أن يكرم الساحر ديدي ويعطيه خمسين قطعة من الذهب، فاصطحبه الرجل ومضيا معا ...
وكان الأمير رعخعوف في حالة من البلاء شديدة، وقد طفحت عيناه بقسوة قلبه، وبدا وجهه الحديدي كرسول للموت، وأما فرعون فلم تتبدد غضبته انفعالات وزئيرا، ولكنها كتمت وصبت في دفين إرادته فتحولت إلى وثبة عزيمة تدك الجبال دكا وتحرك الأهوال، وقد تحول إلى وزيره خوميني وسأله بصوت عظيم: ما رأيك أيها الحكيم خوميني، هل يغني الحذر عن القدر؟
فرفع خوميني حاجبيه في تأمل، ولكن شفتيه المنطبقتين لم تنفرجا حيرة وحزنا، فقال الملك معاتبا: أرى أنك تخشى في قولة الحق، وتهم بإنكار الحكمة لترضيني، كلا يا خوميني، إن مولاك أجل من أن يضيق بقول الحق ...
وما كان خوميني جبانا ولا مداهنا، ولكنه كان مخلصا للملك وولي عهده ويشفق من إيلامهما، فلما لم ير بدا من القول قال بصوت خافت: مولاي! لقد اتفقت كلمة الحكمة المصرية التي لقنتها الأرباب للسلف وأذاعها قاقمنا على الخلف، بأن الحذر لا يغني عن القدر.
فنظر خوفو إلى ولي عهده وسأله: وأنت أيها الأمير ما رأيك في القدر؟
فنظر الأمير إلى والده بعينين متقدتين كأسد في شرك، فابتسم فرعون وقال: أيها السادة، لو كان القدر كما تقولون، لسخف معنى الخلق، واندثرت حكمة الحياة، وهانت كرامة الإنسان، وساوى الاجتهاد الاقتداء، والعمل الكسل، واليقظة النوم، والقوة الضعف، والثورة الخنوع. كلا أيها السادة، إن القدر اعتقاد فاسد لا يخلق بالأقوياء التسليم به ...
Unknown page