فأحنى القائد رأسه وقال بصوت خافت: جلت قدرة الآلهة، وتعالت معجزاتها في السموات والأرض!
ثم قال الملك للساحر: أحسنت أيها الرجل القادر، ولكن هل لك على الغيب سلطان كالذي لك على الخلق؟
فقال الرجل بثقة واطمئنان: نعم يا مولاي.
وفكر الملك مليا، وساءل نفسه عما عسى يطرح عليه من الأسئلة، وأضاء وجهه بنور الهدى فقال للساحر: تستطيع أن تقول لي حتام يجلس على عرش مصر ملوك من ذريتي؟
وبدا على الرجل القلق والتهيب، ففطن فرعون إلى ما يختلج في صدره فقال: إني أطلق لك حرية القول، وآمنك من عاقبة ما تقول.
فألقى الرجل بنظرة عميقة على وجه مولاه، ثم صعد رأسه إلى السماء واستغرق في صلاة حارة ولبث ساعة لا يتحرك ولا يتكلم، فلما أن عاد بوجهه إلى الملك وصحابته، كان شاحب اللون ممتقع الشفتين حائر النظرة، فجفلت قلوب القوم وأحسوا بدنو شر مستطير، ونفد صبر الأمير رعخعوف فقال له: ما لك لا تتكلم وقد أمنك فرعون؟
فكتم الرجل أنفاسه اللاهثة وقال للملك: مولاي، لن يجلس على عرش مصر من بعدك أحد من ذريتك!
وأحدث قوله في النفوس اضطرابا كأنه هبة ريح مباغتة أصابت دوحا ساكنا، فحدجوه بنظرات قاسية كأنها عيون حمئة يتطاير منها الشهب، وقطب فرعون جبينه واربد وجهه فحاكى وجه أسد ضار أجنه الغضب، واصفر وجه الأمير رعخعوف وأطبق شفتيه القاسيتين، فأنذرت هيئته بالويل والهلاك.
وكأن الساحر أراد أن يخفف من وقع نبوءته فقال: سوف تحكم يا مولاي آمنا مطمئنا حتى نهاية عمرك الطويل السعيد.
فهز فرعون كتفيه استهانة وقال بصوت رهيب: إن من يعمل لنفسه فكأنما يعمل للفناء، فدع عنك تعزيتي وخبرني: هل تعرف من تدخره الآلهة ليخلفها على عرش مصر؟
Unknown page