ولم يكن الكاهن قد أعد العدة لنفسه فيما لو وقع المحذور، ولكنه لم يقم لذلك وزنا لأن همه كان محصورا في إنقاذ الطفل وأمه؛ ولذلك كذب على زوجه قائلا: اطمئني يا رده ديديت فلن تفلت سرجا من رسلي، وما تهريبي لك خفية إلا حذرا وحيطة، ومهما يكن من أمر فلن تباغتني الطوارئ ولسوف تصلك أخباري عما قريب.
وخشي أن تزداد مخاوفها فأراد أن يصرفها عن التفكير، فقام واقفا ونادى بصوته الجهوري على زايا، فأتت الخادمة سريعا، وانحنت له في احترام، فقال لها: سأعهد لك بسيدتك والطفل المولود لتسيري بهما إلى قرية سنكا ... وعليك بالحذر فأنت تعلمين بالخطر الذي يتهددهما.
فقالت الخادمة بإخلاص: إني فداء لمولاتي وطفلها المبارك.
وطلب منها الكاهن أن تعينه على حمل سيدتها إلى مخزن الحبوب، ودهشت الخادمة لذاك الطلب، ولكنها صدعت بما أمرت، ووضع الرجل زوجه على اللحاف الوثير، ووضع يده تحت منكبيها ورأسها، ورفعتها زايا من تحت ظهرها وفخذيها، وسارا بها إلى البهو الخارجي، وهبطا الدرج إلى الفناء ودخلا إلى المخزن وأرقداها في المكان الذي أعده لها الرجل في العربة، ثم صعد الكاهن وأتى بطفله وكان يعول ويصرخ، فقبله قبلة حارة ووضعه في حضن أمه، وأطل عليهما هنيهة من جدار العربة، ورأى رده ديديت تنتحب وتضطرب فقال لها وقلبه يتقطع: ثبتي قلبك من أجل طفلنا العزيز ولا تدعي للخوف إلى نفسك سبيلا.
فقالت المرأة وهي تبكي: إنك لم تسمه بعد ...
فقال وهو يبتسم: ادعيه باسم أبي الراقد إلى جوار أوزوريس ... ددف ... ددف رع ... ددف بن من رع، اللهم اجعل اسمه مباركا وادفع عنه كيد الكائدين.
وأتى الرجل بالصوان ووضعه على العزيزين، وأقعد زايا مقعد السائق ووضع زمام الثورين بين يديها، وقال لها: سيري على بركة الرب الحافظ.
وما إن تحركت العربة حركتها البطيئة حتى فاضت عيناه بالدمع الغزير، وجعل يرقبها خلال دموعه وهي تقطع أرض الفناء حتى غيبها الباب عن ناظريه، وهرول إلى السلم وصعده بقوة شاب، وذهب إلى النافذة التي تطل على الطريق وراقب العربة التي تحمل قلبه ووجدانه ...
وبغته باغت مخيف لم يكن يتوقع حدوثه بمثل السرعة التي حدث بها، فلما أن نفذ قضاؤه ملأه رعبا يعجز البيان والتعبير، فنسي حزن الفراق وجوى الوداع وحنين الأبوة، واحترق رعبا وخوفا حتى فقد الشعور والإدراك، فشبك كفيه وجعل يضرب بهما صدره وهو يقول بذهول: «أيها الرب رع. أيها الرب رع.» ويكررها بلا وعي وعيناه تنظران إلى كتيبة العربات الفرعونية التي ظهرت فجأة من منعرج طريق المعبد، وتقدمت إلى قصره، وهي تقوم بحركة حصار بديعة في سرعة ونظام دقيقين، حالا بين العربة وبين التقدم خطوة أخرى.
يا رب السماء، لقد جاءت جنود فرعون بأسرع مما دار له بخلد، ينبئ مجيئها عن توفيق سرجا في مهمتها وهربها من جنوده، وإلا ما استطاعت أن ترسل رسل الموت الزؤام بمثل هذه السرعة.
Unknown page