Al-ʿibarāt
العبرات
Publisher
دار الهدى الوطنية للطباعة والنشر والتوزيع
Publisher Location
بيروت - لبنان
Genres
يتلهب وَيَضْطَرِب كَأَنَّهُ جَمْرَة اَلْغَيْظ فِي أَفْئِدَة اَلْمُوتُورَيْنِ فَعَلَّقَ نَظَرِي بِهِ اَلسَّاعَة ثُمَّ رَأَيْت كَأَنَّهُ يَهْبِط مِنْ عَلْيَائِهِ رُوَيْدًا رُوَيْدًا فَيُعَظِّم جِرْمه كُلَّمَا اِزْدَادَ هُبُوطه حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ بَيْنه وَبَيْن اَلْأَرْض إِلَّا مَيْل أَوْب عَضَّ مَيْل إِذَا بِهِ يَنْتَفِض اِنْتِفَاضًا شَدِيدًا وَإِذَا هُوَ عَلَى صُورَة مَلَك مِنْ مَلَائِكَة اَلْعَذَاب يَنْبَعِث اَلشَّرَر مِنْ عَيْنَيْهِ ومنخريه وَيَتَطَايَر مِنْ أَجْنِحَته وَأَطْرَافه فَلَمْ يَزَلْ هَابِطًا حَتَّى نَزِلّ عَلَى رَأْس اَلشَّجَرَة اَلَّتِي تَظَلّ قُبُور اَلشُّهَدَاء ثُمَّ صَفَّقَ بِجَنَاحَيْهِ تصفيقة أهتزت لَهَا جَوَانِب اَلْأَرْض وَأَضَاءَتْ بِهَا اَلْأَرْجَاء ثُمَّ أَخَذَ يَنْطِق بِصَوْت كَأَنَّهُ جَلْجَلَة اَلرَّعْد فِي آفَاق اَلسَّمَاء وَيَقُول هَا هُمْ اَلنَّاس قَدْ عَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَهَا هِيَ اَلْأَرْض قَدْ مُلِئَتْ شُرُورًا وَفَسَادًا حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهَا بُقْعَة طَاهِرَة يَسْتَطِيع أَنْ يَأْوِي إِلَيْهَا مَلِك مِنْ أَمْلَاك اَلسَّمَاء.
هَا هُمْ اَلْأَقْوِيَاء قَدْ اِزْدَادُوا قُوَّة وَالضُّعَفَاء قَدْ اِزْدَادُوا شعيفا وَهَا هِيَ لَحَوَّمَ اَلْفُقَرَاء تَنْحَدِر فِي بُطُون اَلْأَغْنِيَاء اِنْحِدَار فَلَا اَلْأَوَّلُونَ بِمُسْتَمْسِكِينَ وَلَا اَلْآخَرُونَ بِقَانِعِينَ.
هَا هُمْ اَلْفُقَرَاء يَمُوتُونَ جُوعًا فَلَا يَجِدُونَ مَنْ يُحْسِن إِلَيْهِمْ وَالْمَنْكُوبُونَ يَمُوتُونَ كَمَدًا فَلَا يَجِدُونَ مَنْ يُعِينهُمْ هلى هُمُومهمْ وَأَحْزَانهمْ.
هَا هُمْ اَلْأُمَرَاء قَدْ خَانُوا عَهْد اَللَّه وخفروا ذمامه فَأَغْمَدُوا اَلسُّيُوف اَلَّتِي وَضَعَهَا اَللَّه فِي أَيْدِيهمْ لِإِقَامَة اَلْعَدْل وَالْحَقّ وَتَقَلَّدُوا سُيُوفًا غَيْرهَا وَلَا هِيَ إِلَى اَلشَّرِيعَة وَلَا إِلَى اَلطَّبِيعَة وَمَشَوْا بِهَا فَيَفْتَحُونَ لِأَنْفُسِهِمْ طَرِيق شَهَوَاتهمْ ولذائذهم حَتَّى يَنَالُوا مِنْهَا مَا يُرِيدُونَ.
1 / 115