قال: «يا بنتي الموت حق ... دعي هذا ... قريتنا جميلة ... لي فيها أرض ودار لا بأس بها، والحياة هناك أشرح للصدر وآنس للقلب، ناس كثيرون ... أهل ومعارف ... لا يمل الإنسان ... والمناظر جميلة ... الحاصل ... سنذهب إلى البلدة ونترك هذا البيت الموحش ... ما الداعي أن أبقى في مصر؟»
قالت: «أمرك يا عمي.»
قال: «ألا يسرك؟ يمكننا أن نعود إذا لم ترتاحي هناك ... الأمر سهل.»
وبعد أيام من هذا الحديث حملها معه إلى البلدة، وترك حليمة والخادم الكهل ليرسلا أثاث البيت ويلحقا بهما.
ولم يبالغ الشيخ فقد كانت القرية جميلة والدار رحيبة تقوم في وسط بستان ثمر وزهر، ولكن العناية بالزهر كانت ضئيلة فلم يكن هناك إلا بضعة أعواد من الورد، أما الأشجار فكانت كثيرة وكان ثمرها وفيرا، فطاب المقام لرقية، ووجدت في الحديقة الواسعة ملهى ومرتعا، وكان فتى من أقرباء الشيخ في السابعة عشرة من عمره هو الذي يتعهد الحديقة، وكان مبيته في الدار أيضا ولكن في إحدى الغرف التحتية، ولم تكن رقية ترتاح إلى هذا الفتى ولكنه كان قريب الشيخ، وكانت تدرك أنه لا بد للحديقة من رجل يتعهدها، فإذا كان عمها قد آثر أن يكل هذا إلى قريب له فهو على حق، والأقربون أولى بالمعروف، وهي أجنبية - ولا ينبغي لها أن تنسى هذا - فليس من حقها أن تكره وتحب، وما شأنها هي على كل حال؟ وإذا كانت لا ترتاح إلى محمود هذا فإن في وسعها أن تتجنبه، وأن تتقي لقاءه بلا عناء، غير أنها - لسبب ما - كان يسخطها عليه ما ترى من بلادته وجموده وبطء حركته، وأن وجهه لا يتطلق قط، وقد سمعت أنه حفظ شيئا من القرآن، وأنه قضى بمدرسة ابتدائية بضع سنوات، فهو ليس جاهلا كأكثر الفلاحين ... فما له؟ ... ما خطبه؟
وكانت ربما لقيته في بعض جولاتها في الحديقة فيضيق صدرها بجهامته ولا تملك إلا أن تصيح به: «يا شيخ إتلحلح شوية»، فينظر إليها ممتعضا ولا يزيد على أن يقول لها - حين يقول شيئا: «وإنت مالك؟» ويستأنف ما كان فيه غير عابئ بها أو مكترث لها فكأنها غير موجودة.
وكان الشيخ يلاحظ حبها للحديقة فقال لها يوما: «لعلك مسرورة.»
فطوقته بذراعيها وقبلته، فاستغرب الشيخ إحساسه بذراعيها وتنبه إلى أن هزالها قد زال، وأن وجهها قد امتلأ، وأن ذراعيها صارتا بضتين، وأنها - ولم يمض عليها عنده إلا عام وبعض عام - قد طالت قامتها وعلا ثدياها على صدرها ... بالاختصار أصبحت شابة ... لا يمكن أن يخطر لأحد أنها في الثانية عشرة من عمرها فقط ...
وقال لها وهو ينحي ذراعيها عن عنقه برفق: «كيف وجدت محمودا؟»
فعبست وسألته: «هل تحبه؟»
Unknown page