Butulat Urta Sudaniyya Misriyya
بطولة الأورطة السودانية المصرية في حرب المكسيك
Genres
تمهيد
عام 1863م
عام 1864م
عام 1865م
عام 1866م
عام 1867م
تاريخ بعض رجال هذه الأورطة الذين أنعم عليهم بأوسمة فرنسية في هذه الحرب
كتابات
تمهيد
عام 1863م
Unknown page
عام 1864م
عام 1865م
عام 1866م
عام 1867م
تاريخ بعض رجال هذه الأورطة الذين أنعم عليهم بأوسمة فرنسية في هذه الحرب
كتابات
بطولة الأورطة السودانية المصرية في حرب المكسيك
بطولة الأورطة السودانية المصرية في حرب المكسيك
تأليف
عمر طوسون
Unknown page
شارل جلياردو بك - مؤسس متحف بونابرت بالقاهرة - مع أربعة من ضباط الأورطة السودانية المصرية بالمكسيك من اليمين إلى اليسار: الصف الأول: شارل جلياردو بك، والقائمقام صالح بك حجازي. الصف الثاني: اليوزباشي إدريس نعيم أفندي، والصاغ فرج وني أفندي، والبكباشي عبد الله سالم أفندي.
تمهيد
أساءت حكومة المكسيك معاملة كثير من رعايا فرنسا وإنجلترا وإسبانيا، ونهبت أموالهم على أثر مطالبتهم لها بوفاء ما عليها لهم من الديون؛ فكان ذلك السبب الظاهر لهذه الحرب. ويقال: إن الغرض الذي كان يسره نابليون الثالث في قرارة نفسه ويرمي إليه من وراء هذه الحرب، إنما هو تأسيس حكومة ملكية كاثوليكية في المكسيك؛ ليضمن بذلك وجود التوازن في هذه البلاد مع نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد عقدت هذه الحكومات الثلاث النية على استخدام القوة المسلحة للحصول على مطالب رعاياها، ووجهت كل منها حملة إلى المكسيك في سنة 1861م، ولكن لم يلبث الخلاف أن دب بين هذه الدول، فسحبت إنجلترا وإسبانيا جنودهما من المكسيك في أبريل سنة 1862م، وقامت فرنسا وحدها بأعباء هذه الحرب.
وأرض المكسيك تنقسم إلى جبال ووهاد، ووهادها تسمى الأراضي الحارة، وهي واقعة على سواحلها البحرية، ومناخها وبيل تنتشر فيه الحمى الصفراء والدسنتاريا، وإذا أقام به الأوروبيون فتكت بهم هذه الأمراض فتكا ذريعا. أما الزنوج فيمتازون بحصانة طبيعية ضد هذين المرضين؛ ولهذا استخدمت فرنسا فيها عساكر منهم جندتهم لهذه الحرب خاصة من مستعمراتها.
وخطر بفكر نابليون الثالث أن يرجو سعيد باشا - والي مصر في ذلك الحين - أن يمده بألاي من الجنود السودانيين؛ فقبل سعيد باشا رجاءه، غير أنه لم يرسل سوى أورطة مؤلفة من 453 جنديا بين ضباط وصف ضباط وعسكر. وهذه الأورطة مكونة من أربعة بلوكات، وهي من ألاي المشاة التاسع عشر. وقد اشتركت في حرب المكسيك من عام 1863م إلى عام 1867م. وها نحن نبين ما قامت به في هذه السنين من الأعمال المجيدة ...
عام 1863م
في 8 يناير سنة 1863م أقلعت النقالة الفرنسية لاسين
La Seine
بهذه الأورطة من الإسكندرية مارة بطولون حتى وصلت بها إلى فيراكروز، وهي أكبر فرضة في المكسيك في 23 فبراير بعد سفر 47 يوما. وقد مات منها في أثناء السفر سبعة جنود، وكانت بقيادة البكباشي جبر الله محمد أفندي ووكيله اليوزباشي محمد الماس أفندي.
Unknown page
وجاء في التقارير الفرنسية عنها أنها كانت ذات ملابس حسنة، وسلاح جيد، وهيئة أنيقة، واستعداد عسكري يثير إعجاب كل من يراها، إلا أن سلاحهم كان يختلف عن أسلحة الجنود الفرنسية؛ فنجم عن ذلك متاعب وعراقيل من جهة الذخيرة، فوزعت القيادة الفرنسية عليهم أسلحة فرنسية، وأودعت أسلحتهم في المخازن، ثم أعادتها إليهم عند رجوعهم إلى مصر، كما أن التفاهم معها في بادئ الأمر كان متعذرا لجهل أفرادها اللغة الفرنسية؛ فدعت الحالة إلى استخدام بعض الجنود الجزائريين الذين كانوا معهم في حرب المكسيك للترجمة بينهم وبين سائر الجنود الفرنسية هناك؛ فأمكن بذلك معرفة احتياجاتهم والاستفادة من أهليتهم وكفاءتهم.
وقام جنود هذه الأورطة بأعظم الخدم وأجلها؛ لشجاعتهم وبراعتهم في الرماية وضرب النار. وبذلك أمكن التعويل عليهم في المواقع التي كانت الجنود الفرنسية لا تستطيع المقام فيها؛ فصدوا غارات العصابات التي كانت تجوس خلال هذه الديار، وتشن الغارات على قوافل المئونة والذخيرة، وعلى المخافر التي بها قليل من الحرس.
وقبل مباشرة هذه الأورطة العمل رتبت على النظام الفرنسي. وفي 11 مارس سنة 1863م أصدر الجنرال قائد الحملة قرارا بترتيب جميع أقسام العمل. وفي التاريخ عينه أصدر قرارا آخر بتكميل ما كان ينقص الأورطة من الضباط، وترقية بعض أفرادها ليسدوا هذا النقص، وأرسلت هذه الترقيات إلى مصر لتعرض على صاحب السمو الخديوي إسماعيل لإقرارها، وها هي:
ترقية اليوزباشي محمد الماس أفندي إلى رتبة الصاغ.
ترقية الملازم الأول حسين أحمد أفندي إلى رتبة اليوزباشي.
ترقية الملازم الثاني فرج عزازي أفندي إلى رتبة الملازم الأول.
ترقية الباشجاويشين محمد سليمان وصالح حجازي إلى رتبة الملازم الأول.
ترقية الجاويش فرج الزيني إلى رتبة الملازم الأول.
ترقية الجاويشية خليل فني والفود محمد ومحمد علي وعبد الرحمن موسى إلى رتبة الملازم الثاني.
وعندما وردت هذه الترقيات إلى مصر، وعرضت على سمو الخديوي، أقرها وأعادها الديوان الخديوي إلى نظارة الجهادية المصرية بتاريخ 7 جمادى الأولى سنة 1281ه/ 8 أكتوبر سنة 1864م، ومعها المكتوب الآتي:
Unknown page
الضباط الذين ترقوا بمكسيكا لسد فراغ النقص الذي حدث بين ضباط العساكر السودانية المصرية المرسلة في العهد السابق إلى مكسيكا، وهم: صاغقول أغاسي، ويوزباشي، وثمانية ملازمين، وإن كانت ترقيتهم قد تمت هناك، إلا أنهم التمسوا بعريضة مرسلة منهم عرض الأمر على الحضرة الخديوية لتشريفها بالاعتماد، ولدى عرض أمرهم على الحضرة الفخيمة صدر الأمر شفويا بتجهيز العرائض اللازمة لذلك وتقديمها.
وبناء عليه نرسل عريضتهم العربية والكشف الوارد معها ببيان ترتيبهم وأسمائهم لإجراء اللازم.
وردت نظارة الجهادية على هذا الخطاب بتاريخ 9 جمادى الأولى سنة 1281ه/10 أكتوبر سنة 1864م بالجواب الآتي:
بما أن ضباط العساكر السودانية المصرية السابق إرسالهم في العهد الماضي إلى مكسيكا نقصوا صاغقول أغاسي ويوزباشي وثمانية ملازمين، فإنه وإن كان قد تم ترقية آخرين بدلا منهم هناك، إلا أنه لأجل عرض الأمر على الحضرة الخديوية لتشريفها بالاعتماد طبقا للتبليغ الصادر إلينا لتنظيم العرائض اللازمة لذلك لإرسالها إلى السدة السنية، كما اتضح ذلك من الخطاب الوارد من سعادتكم بتاريخ 7 جمادى الأولى سنة 1281ه/8 أكتوبر سنة 1864م نمرة 13 المرفق به الكشف الموضح به بيان أسماء الضباط المذكورين، قد تم تحرير العرائض اللازمة حسب الأصول، وأقرت من الجهات المختصة، وأرسلت إلى سعادتكم مزينة بالفرمان العالي من حضرة ولي النعم.
ونظرا لأن الضباط المذكورين حازوا تلك الرتب من تاريخ 21 رمضان سنة 1279ه/11 مارس سنة 1863م كما علم ذلك من الاطلاع على الكشف، فلأجل إجراء اللازم لاعتماد ترقيتهم إلى الرتب والمرتبات من التاريخ المذكور كمقتضى الأمر الصادر إلينا قد أجرينا اللازم لاعتماد ذلك. وللعلم حرر هذا إشعارا بما ذكر.
وأجاب الديوان الخديوي بعد ذلك النظارة المذكورة بالجواب الآتي:
علم من إفادة ديوان الجهادية الواردة بتاريخ 9 جمادى الأولى سنة 1281ه/10 أكتوبر سنة 1864م نمرة 20 أن عرائض الترقية الخاصة بالصاغقول أغاسي واليوزباشي والثمانية الملازمين السابق ترقيتهم ليحلوا محل الناقصين من ضباط العساكر السودانية المرسلة في العهد الأول إلى مكسيكا، عرضت على الحضرة الخديوية ووافقت عليها، وقد أرسلت إلى مكسيكا، وهذا للعلم.
وما كادت الأورطة تستقر ببلاد المكسيك حتى صدرت الأوامر لها، وللكتائب الأجنبية، وفرق المتطوعين من المكسيكيين الفرنسيين، بتطهير الأراضي الحارة من زمر اللصوص الذين كانوا يعيثون فيها فسادا.
ولما حوصرت مدينة بويبلا
، وهي المدينة الثانية في الأهمية من مدن المكسيك من 23 فبراير إلى 17 مايو سنة 1863م، حيث سقطت واستسلم من حاميتها 26 جنرالا و900 ضابط و12 ألف جندي، كان من اللازم الاحتفاظ بالمواصلات التي كان المكسيكيون يحاولون دواما قطعها بين الساحل وهذه المدينة.
Unknown page
فكانت الأورطة السودانية المصرية أهم قوات صيانة المواصلات في الأراضي الحارة، حتى قال القائد العام في فيراكروز عن جنودها أن ليس لديه ما يبديه بشأنهم إلا الإطراء والثناء من كل الوجوه.
ثم استخدم قسم من الذين وقعوا في الأسر في بويبلا في أشغال السكة الحديد، وكان كثيرا ما يزعجهم المكسيكيون؛ فدعت الحالة إلى تكليف بلوك ونصف بلوك من الأورطة السودانية لحراستهم والذب عنهم، فقاموا بذلك خير قيام، وتقدمت الأعمال تقدما سريعا.
وفي مايو سنة 1863م، فجعت الأورطة المصرية بوفاة قائدها البكباشي جبر الله محمد أفندي على إثر إصابته بالحمى الصفراء؛ فخلفه القائد الثاني لها الصاغ محمد الماس أفندي بعد أن منح رتبة البكباشي.
وكان لوفاة هذا الضابط العظيم رنة أسى عند الجميع. وجاء في تأبين السلطة الفرنسية له أنه كان على جانب كبير من دماثة الأخلاق والتحلي بصفات عسكرية نادرة، وأنه كان محترما من الجميع؛ لسلوكه الحسن، وقيامه بواجباته على الوجه الأكمل، وتقديره ما على عاتقه من المسئوليات.
وبلغت قيمة تركته 5667 فرنكا أرسلتها السلطات الفرنسية فيما بعد إلى الحكومة المصرية لتسلمها إلى ورثته، مع مبلغ 5000 فرنك على سبيل المنحة منها لهم.
ويدرك المرء مقدار وخامة الأراضي الحارة وفساد مناخها إذا علم أنه مع متانة بنية جنود الأورطة السودانية المصرية ومقاومتها لوخامة ذلك الجو أكثر من المكسيكيين أنفسهم؛ كان لا يوجد في كل بلوك منها أقل من 42 مريضا على الدوام: 30 في المستشفى و12 في الثكنات.
ومع أن هذه النسبة كبيرة بالنظر لمجموع عدد الأورطة، إلا أنه عند مقارنتها بنسبة عدد مرضى فرق الجيوش الفرنسية الأخرى نجدها أقل منها بكثير.
ولما احتلت الجيوش الفرنسية مدينة مكسيكو عاصمة المكسيك، أقيمت احتفالات باهرة في كافة المدن التي في قبضة هذه الجيوش.
وفي 21 يونيو سنة 1863م أقيم في فيراكروز قداس حضره القائد العام، ومثلت فيه جميع السلطات العسكرية والمدنية، فعهد إلى الأورطة السودانية المصرية القيام بمهام التشريفات. وبعد انتهاء الاحتفال استعرضت في أكبر ميادين المدينة.
ولما وقف القائد العام المارشال فوريه
Unknown page
Forey
على ما قامت به هذه الأورطة في عدة وقائع كافأها على ذلك. فأمر في 28 سبتمبر سنة 1863م أن تؤلف منهم كتيبة الجنود الذين يسمون «برنجي نفر»، فألفت منهم هذه الكتيبة، وبلغ عددها ربع عدد الأورطة. وأمر فمنح كل فرد من أفرادها 65 سنتيما يوميا «
ج تقريبا»، وأن يميزوا بشارات صفراء توضع على أذرعتهم؛ فأحدث هذا العمل أثرا عظيما في نفوسهم وفي نفوس ضباطهم، ودل على عظيم عناية القيادة الفرنسية بهم وتقديرها لجدارتهم واستحقاقهم.
وكتب قائد فيراكروز في تقريره الذي أرسله إلى القائد العام عن واقعة نشبت في 2 أكتوبر سنة 1863م ما معربه:
لقد كلل هذا القتال رءوس السودانيين المصريين الذين قاموا بأعبائه بأسمى أكاليل الفخر؛ فإنهم لم يبالوا بالنار المنصبة عليهم من الأعداء، وردوهم - وهم يزيدون في العدد عليهم تسع مرات - على أعقابهم مدحورين.
وقد بلغ عدد الوقائع التي خاضت هذه الأورطة غمارها في عام 1863م ثمانيا.
عام 1864م
في أوائل هذا العام أحصيت وفيات الأورطة من حين سفرها من مصر فبلغت 47. وسبب وفاة هذا العدد الكبير منها أنه عندما وصلت المكسيك كانت في شبه عزلة لجهل الناس لغة جنودها وأذواقهم وعاداتهم. وكان نظام أغذيتهم على غير ما يرام، كما كانت غير كافية لهم خصوصا مع المشاق والمتاعب التي كانوا يتكبدونها.
فدعت الحالة أن يقدموا إليهم طعاما أكثر تغذية، ثم تدرجت الأحوال في التحسن شيئا فشيئا حتى جاءت سنة 1864م مبشرة بحسن الطالع.
وفي 22 أبريل سنة 1864م، كتب قائد فيراكروز إلى القائد العام في شأنهم يقول:
Unknown page
لقد سلك السودانيون المصريون مسلكا برهن على بطولتهم، فقاتلوا عددا يربو على عددهم أضعافا مضاعفة، ولبثوا محتفظين بما بلغوه من قبل من الدرجة السامية في الشجاعة.
وفي 12 يوليو سنة 1864م كتب القائد العام في تقريره إلى وزارة الحربية الفرنسية عقب قتال دارت رحاه في هذا التاريخ ما معربه:
إن هؤلاء السودانيين المصريين الذين لا تسمح نفوسهم أن يبقى الأسير حيا قد أسرفوا في القتل. وإني لم أر في حياتي مطلقا قتالا نشب بين سكون عميق وفي حماسة تضارع حماستهم، فقد كانت أعينهم وحدها هي التي تتكلم، وكانت جرأتهم تذهل العقول وتحير الألباب، حتى لكأنهم ما كانوا جنودا بل أسودا.
وخص المارشال المذكور منهم بالذكر الأشخاص الآتية أسماؤهم:
اليوزباشي حسين أحمد، والملازم فرج الزيني، والجاويشية حديد فرحات، ومرجان الدناصوري، والأونباشي الحاج عبد الله حسين باشه، والجندي كوكو سودان كباشي.
وقد ظلت جموع العدو باقية بدون أن تتشتت عقب هذه الواقعة، وأقدموا على قتال آخر في 14 منه، ولكنهم دحروا، وهاك ما قاله القائد في تقريره:
لقد قاتل السودانيون المصريون قتالا باهرا دام ساعة واحدة. وليس بين الجنود القدماء من لا يذكر مثل هذا الفوز بالإكبار والإعجاب.
وقد نوه في تقريره بأسماء: الملازم فرج عزازي، والجاويشية حديد فرحات، ومرجان الدناصوري، والأونباشي الحاج عبد الله حسين باشه، والجندي كوكو سودان كباشي.
ومنح الأونباشي عبد الله حسين باشه وساما عسكريا لبسالته التي أبداها في هذه الواقعة، والجرح العميق الذي أصيب به، وعدد القتلى الذين أجهز عليهم، ولطعنه بحربة (سنكة) بندقيته جنديا مكسيكيا، فلما نشبت به رفعه بها وذراعه غير منثنية.
وكان عدد الأعداء في هذه المعركة ستة أمثال جنود الأورطة.
Unknown page
وقد ورد إلى نظارة الجهادية المصرية تقرير من الضابط الفرنسي سيجون
Segone
المكلف بالإشراف على الأورطة المصرية، وآخر من الصاغ محمد الماس أفندي، فأرسلتهما إلى الديوان الخديوي مع خطاب مؤرخ في 15 جمادى الأولى سنة 1281ه/16 أكتوبر سنة 1864م لرفعهما إلى سمو الخديوي، وهذا نصه:
أرسل إلينا الضابط الفرنسي مسيو سيجون - الضابط المأمور على العساكر السودانية المصرية بمكسيكا - عريضة وتقريرا باللغة الفرنسية برسم الحضرة الخديوية مع رسم مضيق «بوغاز» «ورود إيرمغي»، وبعد أن ترجما أرسلا مع الأصل إلى سعادتكم، فلدى الاطلاع عليهما تعلمون مضمونهما. وأيضا ورد مع إفادة صاغقول أغاسي الأورطة كشف يومية مبين به أن الباقي من العدد الذي أرسل - وهو أربعمائة وستة وأربعون نفسا
1 - هو ثلاثمائة وثمانية وسبعون؛ حيث توفي خمسون من هؤلاء الجنود لغاية توت سنة 1579، وعشرة توفوا في العام الماضي لغاية 6 برمودة، وأربعة توفوا في الحرب لغاية 18 أبيب، فيكون جملة المتوفين ثمانية وستين؛ فاقتضى تحريره للعلم وعرضه على الأعتاب السنية، وهذا إشعار بما ذكر.
وأجاب الديوان الخديوي نظارة الجهادية بالخطاب الآتي المؤرخ في 20 جمادى الأول سنة 1281ه/21 أكتوبر سنة 1864م:
اطلعت على الخطاب الوارد منكم بتاريخ 15 جمادى الأولى سنة 1281ه/16 أكتوبر سنة 1864م، نمرة 24، وعلى التقرير والرسم المرسل لكم من جانب الضابط الفرنسي المدعو سيجون الخاص بالأورطة السودانية المصرية التي بمكسيكا، وعلى ترجمتها التي أرسلت إلينا للاطلاع عليهما، كما أني اطلعت على كشف اليومية الوارد من صاغقول أغاسي الأورطة المذكورة بعدد الذين توفوا من العساكر المرسلة، وهو ثمانية وستون نفسا من مجموع أربعمائة وستة وأربعين، وأن الباقي بعد ذلك هو ثلاثمائة وثمانية وسبعون. فحرروا منكم جواب تشكر للمأمور المشار إليه، وعرفوه أنكم لدى عرضكم تقريره علينا أظهرنا رضانا وارتياحنا.
أما الضباط والعساكر الذين توفوا وتركوا عائلات وأولادا يتامى هنا، فيصير ترتيب معاش لهم طبقا للقوانين والأصول المرعية كما اقتضت إرادتنا ذلك للإسراع بتنفيذه. والأوراق التي أرسلتموها صار إعادتها لكم ثانيا، وقد صدر أمرنا هذا وكتب لكم لإجراء ما يلزم.
وكتب قومندان الأورطة إلى سمو الخديوي إسماعيل تقريرا بالمعارك العديدة التي خاضت غمارها. فلما علم سموه ما أحرزته من المجد العسكري وما امتازت به من الشجاعة والإقدام؛ أعلن رضاه التام عنها، وأرسل في 23 جمادى الأولى سنة 1281ه/24 أكتوبر سنة 1864م إلى قائدها الصاغ محمد الماس أفندي الكتاب الآتي:
إلى محمد الماس أفندي وكيل الأورطة السودانية بالمكسيك
Unknown page
قد عرضت على مسامعنا عريضتكم المحتوية على الأخبار التي حصلت منكم ومن ضباط الأورطة السودانية المصرية من الثبات والإقدام في الحرب أمام من قابلكم، وما أبديتموه من الشجاعة والمهارة، وما توجه به الالتفات إليكم من الدولة الفرنسية. ولقد ارتحنا غاية الارتياح لما ظهر منكم حيث حافظتم على الشرف الذي حصلتم عليه من الحكومة المصرية، واستوجبتم أنتم ومن معكم من الضباط جميل الثناء والحمد على ما بدا منكم. وأقصى آمالنا حصول ازدياد نشاطكم واجتهادكم، مع امتثالكم وانقيادكم للأوامر والتنبيهات التي تصدر من جناب الجنرال قائد الجيش الفرنسي، حيث إن حصول سرورنا إنما يكون بحصول سرور الجنرال المشار إليه، وسرور الدولة الفرنسية منكم ومن كل أفعالكم وحركاتكم؛ فإن المودة الأكيدة التي بين الحكومة المصرية والدولة المشار إليها تستوجب حسن المعاملة والمعاونة الصادقة. وبما أنكم مبعوثون من طرف الحكومة المصرية، فيلزمكم بذل ما في وسعكم واقتداركم للحصول على رضاهم ومزيد ارتياحهم. وإن شاء الله تعالى عند ختام مأموريتكم وعودتكم إلى مصر يكون لدينا لخدماتكم المشكورة حسن الوقع والقبول. ومن سلك مسالك الصدق والاجتهاد يسره بلوغ هذا المأمول، وقد صدرت أوامرنا على عرائض الضباط الذين ترقوا بدلا من الناقصين، وها هي مرسلة إليكم لتسلموا كل عريضة إلى صاحبها، مع تبليغهم جميعا شكرنا لحسن صدقهم. وهذا ما لزم إصداره.
وفي أثناء عام 1864م كانت الأورطة المصرية قد خاضت غمار إحدى عشرة معركة.
عام 1865م
حدث في 21 و23 و24 من يناير سنة 1865م ثلاث معارك عظيمة اشتركت فيها الأورطة السودانية المصرية ببسالتها المعتادة. وإليك ما قاله القائد العام للأراضي الحارة في تقريره عنها:
من الصعب العثور على كلام يمكن التعبير به عن بأس هذه الأورطة البارعة وبسالتها وصبرها على الحرمان واحتمال المشاق، وحميتها في إطلاق النيران، وجلدها في المشي.
فلقد قام كل جندي من جنودها في هذه الوقائع الثلاث بواجبه خير قيام. ويرى قائدها أن كافة جنودها تستحق المدح والثناء، غير أنه لفت الأنظار إلى ثلاثة جنود منها أصيبوا بإصابات شديدة، لكني أرى من واجبي أن أذكر أيضا الأشخاص الآتية أسماؤهم:
لقد أبلى الملازم فرج الزيني في هذه الوقائع بلاء حسنا كعادته، وكان يقود المؤخرة، فأعاد إلى الذاكرة ما لم تنسه من حماسته وبسالته في حروبه السابقة.
وأصيب الملازم الأول محمد سليمان بستة جروح من طلقات نارية؛ فبرهن بذلك على إقدامه، وهذا الضابط الذي أنعم عليه بوسام في 20 ديسمبر قد أظهر الآن مقدار جدارته واستحقاقه لهذا الإنعام؛ فألتمس منحه رتبة اليوزباشية.
أما الجنود الأربعة الآتية أسماؤهم فقد أنعم على كل منهم بالوسام العسكري، وهم:
جادين أحمد، ومحمد الحاج، وإدريس نعيم، وعبد الله سودان.
Unknown page
ورأى الخديوي إسماعيل باشا أن يرسل إلى المكسيك أورطة أخرى لتحل محل هذه الأورطة، فأرسل الديوان الخديوي بتاريخ أول شوال سنة 1281ه/27 فبراير سنة 1865م بناء على أمر سموه إلى جعفر باشا حكمدار السودان العام الخطاب الآتي:
انتخبوا من بين العساكر السودانية المنظمة التي بحكمداريتكم مقدارا من العساكر، وشكلوا أورطة كاملة بالفرز والانتخاب، بشرط أن يكونوا شبانا ذوي بنية قوية ومنظر وهيئة حسنة، وأرسلوهم إلينا صحبة صاحب العزة أميرالألاي آدم بك، حيث إن الضرورة تقضي بذلك. وبعد تمام الفرز والانتخاب على الوجه المشروح يصير إرسالهم بطريق سواكن إلينا. وبما أن جلب هؤلاء العساكر من سواكن إلى هنا يحتاج إلى إرسال وابور لاستحضارهم، فيلزم أن تفيدونا سريعا عن تاريخ اليوم الذي يمكن أن يحضروا فيه؛ حتى يمكننا إرسال السفن اللازمة لأخذهم واستحضارهم، ثم انتخبوا بمعرفتكم واحدا من القائمقامية الذين عندكم ليحل محل أميرالألاي آدم بك المومى إليه، وبكباشيا بدلا من القائمقام المنتخب، وصاغا بدلا من البكباشي، ويوزباشيا بدلا من الصاغ، وملازما أول بدلا من اليوزباشي، وملازما ثانيا بدلا من الملازم الأول، وصف ضابط بدلا من الملازم الثاني، مع تحرير العرائض اللازمة لذلك وإرسالها للعرض على أعتاب ولي النعم لتشريفها بالموافقة كمنطوق الإرادة السنية الصادرة بالتحرير لكم عن ذلك لإجراء اللازم.
وفي ذلك الوقت كان أميرالألاي آدم بك المذكور قائد الألاي الأول السوداني في الخرطوم الذي يبلغ مجموعه 81 ضابطا و2190 من صف الضباط والجنود، وترقى بعد ذلك إلى رتبة لواء. وفي سنة 1868م أسندت إليه القيادة العامة للجيوش السودانية.
وفي 2 مارس سنة 1865م دارت رحى معركة طاحنة قتل في معمعانها الماجور مارشال قائد الفرقة. وفي هذه الواقعة أنعم على الأونباشي مرجان مطر، والعساكر رمضان كوكو وعلي إدريس وأنجلو سودان وكوكو سودان، بأوسمة عسكرية، ونوه بأسمائهم.
وأنعم الخديوي إسماعيل باشا بالوسام المجيدي من الدرجة الرابعة على الماجور مارشال مكافأة له على عنايته بشئون الأورطة قبل أن يعلم بوفاته. فكتب الديوان الخديوي إلى نظارة الجهادية في 10 ذي القعدة سنة 1281ه/6 أبريل سنة 1865م الخطاب الآتي:
لمناسبة إهداء البكباشي مارشال من ضباط الدولة الفرنسية الذين بصحبة العساكر السودانية المصرية بمكسيكا النشان المجيدي الرابع، يلزم تحرير الخطاب اللازم للضابط المذكور باللغة الفرنسية، مع إرسال النشان والبراءة إليه بواسطة وزارة الخارجية كمنطوق الفرمان السامي الصادر بذلك. وقد تحرر هذا للإجراء على مقتضاه.
ولما وصل تقرير قومندان الأورطة السودانية، أرسل إليه الخديوي إسماعيل باشا في 16 ذي القعدة سنة 1281ه/12 أبريل سنة 1865م الخطاب الآتي:
أمر عال إلى صاغ أورطة السودان
قد ورد إنهاؤكم بتاريخ 3 شعبان سنة 1281ه، الموافق أول يناير سنة 1865م، يحتوي أنكم ومن معكم قائمون على أقدام الاهتمام، ومنقادون لأمر مأمور الجيش على الدوام؛ فحصل لنا بذلك مزيد السرور والارتياح منكم ومن جميع من معكم من الضباط والعساكر. فعرفوهم أني أريد منهم أن يداوموا على هذا المسلك الحميد والمنهج السديد حتى يعودوا إلى أوطانهم فينالوا الفخر بين إخوانهم. ثم بلغوهم أننا سننظر في ترتيب عساكر ليرسلوا بدلا منهم إلى تلك الجبهة. وإن شاء الله عن قريب يرسل البدل المذكور، وتحضرون أنتم ومن معكم حيث طالت إقامتكم هناك. وعلى حسب التماسكم أهدي إلى البكباشي مارشال النيشان المجيدي الرابع، وأرسل مع الفرمان المتعلق به.
وأتت الأورطة السودانية المصرية في أثناء انتظارها من سيخلفها من الجنود بضروب الشجاعة والإقدام؛ إذ كانت تحتل في متسع من الأرض مساحته 160 كيلومترا سبعة مواقع بعضها ليس به منها أكثر من 30 جنديا. ومع ذلك فقد استطاعت أن تبعث الخوف والذعر في قلوب عصابات تتراوح كل عصابة منها بين 200 و300 وتوقفها عند حدها. وإليك معرب العبارة التي مدح بها قومندان الأراضي الحارة هذه الأورطة:
Unknown page
يا لها من يقظة! ويا لهم من رجال أبطال تملك حب القيام بالواجب أفئدتهم؛ فهم لا ينفكون عن القيام به، حتى إنه لم يحدث مطلقا أن بوغت يوما جندي منهم في نوبة حراسته ووجد غائبا عن محله. وهم من أنفسهم يضاعفون الحرس ليلا إلى ثلاثة أمثاله بدون أمر ما؛ ليأمنوا أية مباغتة.
وفي 19 ذي الحجة سنة 1281ه/15 مايو سنة 1865م، أرسل حضرة صاحب السعادة باشمعاون الديوان الخديوي إلى ممتاز أفندي مأمور الأشغال بسواكن، خطابا بخصوص الأورطة السودانية الجديدة وسفرها من سواكن، وهذا نصه:
بناء على ما سبق تحريره إلى الحكمدارية بخصوص أورطة العساكر المطلوب جلبها، والمكونة من ألف نفس، قد حرر يوم تاريخه الخطاب المرسل طي هذا إلى حضرة صاحب العزة وكيل حكمدارية السودان؛ لأجل أن يبذل الهمة في سرعة إرسال العساكر المذكورة، فعليكم توصيله إليه بغاية السرعة مع مخصوص. وبما أن حضور العساكر المذكورة سيكون عن طريق سواكن، ويلزم الاستعداد لإرسال باخرة إلى سواكن، فعليه حرر هذا الخطاب إليكم إخطارا بما ذكر لإجراء مقتضاه، وأن تتأكدوا من الوقت المناسب لإرسال الباخرة، وإخطارنا بذلك لأجل إرسالها لاستحضارهم.
ولما لم يرد أي نبأ إلى مصر عن إعداد هذه الأورطة؛ أرسل الخديوي نفسه في 15 محرم سنة 1282ه/10 يونيو سنة 1865م ثلاثة كتب بشأن الإسراع في إحضارها:
الأول:
إلى ممتاز أفندي مأمور الأشغال بسواكن، وهذا نصه:
سبق من مدة صدور أمري إلى حكمدارية السودان بترتيب وتجهيز أورطة واحدة مكونة من ألف جندي من العساكر السودانية، وإرسالها بطريق «تاكه» إلى سواكن لترحيلها من هناك إلى مصر، ولاعتقادي القوي بأن الأورطة المذكورة لا بد أن تكون الآن قد وصلت بأجمعها، أو وصل بعض بلوكاتها إلى سواكن، فعلى هذا الأمل القوي قد أبحرت الباخرة «إبراهيمية» رأسا إلى هناك لأخذهم واستحضارهم إلى هنا. فلدى وصولها - سواء أكانت الأورطة بأكملها وصلت أم بعض بلوكاتها - يلزم أن تبادروا بإنزالهم فيها دون انتظار وترسلوهم. أما إذا لم يكونوا قد حضروا إلى الآن، فيلزم أن ترسلوا رسولا من طرفكم بصورة أمري هذا إلى مديرية «تاكه» لاستعجال المدير في سرعة إرسالهم بدون تأخير. ومن أجل ذلك حرر أمري هذا، وأرسل إليكم للإجراء على مقتضاه.
والثاني:
إلى مدير مديرية التاكة، وهذا نصه:
بما أن الباخرة «فرقاطة إبراهيمية» أبحرت في هذه المرة قاصدة إلى سواكن لجلب أورطة العساكر السودانية السابق صدور الأمر بتشكيلها مكونة من ألف جندي مع ضباطها، وسوقها إلى سواكن لترحيلها من هناك إلى مصر، فإذا لم تكن الأورطة المذكورة أرسلت إلى الآن إلى سواكن فبادروا بسرعة إرسالها حالا بدون تأخير ولا دقيقة واحدة. وقد حرر أمرنا هذا وأرسل إليكم من أجل ذلك، مع العلم أننا قد سبق أن حررنا لكم وللحكمدارية بهذا الخصوص، وكنتم تشكون من كثرة العساكر وقلة المحصول. فبناء عليه يجب أن تبادروا بسرعة إرسالهم، وأن تصرفوا لهم التعيينات اللازمة من «تاكه» إلى سواكن بما فيه الكفاية، وملاحظة عدم تركهم فريسة للجوع هناك كما هو مرغوبي.
Unknown page
والثالث:
إلى قائد الفرقاطة «إبراهيمية»، وهذا نصه:
بمجرد وصول أمري هذا إليكم، بادروا بالقيام رأسا إلى سواكن لأخذ واستحضار أورطة العساكر السودانية المكونة من ألف جندي مع ضباطها، حيث سبق من مدة طلب تجهيزها وسوقها بطريق «تاكه» إلى سواكن كالأمر الصادر بذلك لحكمدارية السودان، فلا بد أن تكون الأورطة المذكورة قد وصلت على ما أعتقد. فلدى وصولكم إلى هناك، إذا وجدتم أن الأورطة المذكورة وصلت فخذوها واحضروا بها رأسا إلى هنا. أما إذا لم تجدوها وصلت كلها، بل وصل بعض عساكر بلوكاتها كثيرين أو قليلين فخذوهم واحضروا بهم رأسا إلى هنا دون انتظار باقي من سيحضر منهم. وللمعلومية حرر هذا.
حاشية : «وفي تاريخه صدر الأمر إلى نظارة الجهادية أن ترسل إليكم التعيينات اللازمة لمدة خمسة عشر يوما للصرف منها على العساكر المذكورة أثناء الطريق. فأرسلوا من يلزم لأخذ المئونة المذكورة قبل قيامكم. أما إذا أحوج الأمر إلى مئونة أخرى للعساكر أو البحارة من سواكن مثل لحوم أو خلافه، فلديكم الإذن منا بأخذه من ممتاز أفندي بسواكن.»
وبعد أن أرسلت هذه الأوامر الثلاثة، سافر الخديوي إسماعيل إلى الآستانة، وبمجرد وصوله كتب خطابين بخصوص إعداد الأورطة الجديدة وتسفيرها إلى طولون:
الأول:
إلى صاحب السعادة شريف باشا، وهذا نصه:
سبق أن قامت الباخرة إبراهيمية رأسا إلى سواكن لأخذ واستحضار الأورطة السودانية المكونة من ألف جندي مع ضباطها السابق طلب إرسالهم من جهة السودان إلى مصر. وكان قد صدر الأمر إلى ربان الباخرة بأنه لدى وصوله إلى سواكن، إذا وجد أن الأورطة المذكورة وصلت بأكملها يأخذها ويحضر. أما إذا لم يجدها وصلت بأكملها ووصل منها بعض بلوكات فيأخذهم ويعود رأسا بدون انتظار باقي من سيحضر منهم. ولما كانت الأورطة المذكورة سترسل بدلا من العساكر السودانية التي بمكسيكا، فقد صدرت إرادتنا إلى ناظر الجهادية باتخاذ الإجراءات اللازمة بخصوص تجهيز ما يلزمهم من الأسلحة والمهمات والتعيينات وسائر اللوازم. فلدى وصول الأورطة المذكورة غدا، أو لدى وصول بعض بلوكاتها، أسرعوا حالا باتخاذ اللازم لإتمام ما يلزمهم، مع إجراء اللازم بخصوص ترحيلهم إلى طولون بالباخرة سمنود من بواخر القومبانية العزيزية إذا كانت موجودة، أو بإحدى البواخر الكبيرة المناسبة من بواخر الشركة المذكورة. وإذا كان ربان الباخرة التي ستحمل العساكر من الذين لم يسبق سفرهم في هذا الطريق، لزم أن يكون معه دليل لمرافقته. وقد كتبنا أيضا لجناب قنصل جنرال فرنسا بخصوص إرسال العساكر المذكورة إلى تلك الجهة للعلم بأنهم من العساكر المتوجهين إلى مكسيكا. فإذا كان يرى من المناسب إعطاء خطاب من طرفه لربان الباخرة بهذا الخصوص فلا بأس. ولأجل ذلك حرر هذا الأمر وأرسل إليكم.
حاشية : وابور الشرقية الذي تم عمله بمعرفة قومبانية الشرق لذمة القومبانية العزيزية، لا بد أن يكون قد وصل إلى الإسكندرية من الجهة التي هو بها، أو يحضر بعد بضعة أيام كما هو متوقع. وبما أن ربان الباخرة إنجليزي ومعه بحارة مستعدون، فالأوفق إرسالهم بتلك الباخرة إلى طولون. وقد حرر هذا للعلم والإجراء على مقتضاه.
حاشية أخرى : «إذا كانت العساكر المنتظر حضورها تحضر من سواكن قبل وصول الباخرة المار ذكرها، فلا بأس من تنفيذ الأمر الأول بترحيلهم بإحدى بواخر الشركة العزيزية كما سبق القول.»
Unknown page
والثاني:
إلى صاحب السعادة إسماعيل سليم باشا - ناظر الجهادية - وهذا نصه:
حيث إن الباخرة إبراهيمية أبحرت رأسا إلى سواكن لجلب أورطة العساكر السودانية السابق طلبها من جهة السودان، وهي مكونة من ألف جندي سوداني مع ضباطها، واستحضارها إلى مصر كما علم ذلك، وحيث إن الأورطة المذكورة سترسل بدلا من الأورطة التي بمكسيكا؛ لذلك طلبنا استحضارها لإرسالها إلى مكسيكا، فلدى وصول الأورطة المذكورة أو وصول بعض بلوكاتها، تسلم لهم الأسلحة اللازمة من النوع الجيد. وفي تاريخه كتبنا إلى سعادة شريف باشا بذلك. وتصرف لهم الملابس من صنف التيل المخصص لعساكر المشاة (سترة قصيرة)، بحيث يكون لكل جندي طقمان كسوة وقميص ولباس وزوج جوارب (شرابات) وسجادة وبطانية وكبود، ولكل ضابط كسوة من الكساوي المخصصة للضباط المشاة، وأسبالتات حسب درجة رتبة كل منهم. ويجهز لهم من التعيينات ما يلزمهم أثناء الطريق، وذلك في ظرف مدة قليلة؛ يعني في ظرف يومين أو ثلاثة على الأكثر تكون جاهزة لأجل صرفها لهم، والخيام التي تلزمهم تنتقى من الخيام الجيدة النظيفة. وبعد الانتهاء من تدبير كل ما يلزم لهم، بادروا بمخابرة سعادة شريف باشا بخصوص اللازم نحو سفرهم.
ومع أن الكشف المحرر من طرفنا بما يلزم صرفه للمذكورين مستوفي الشروط، إلا أني أخشى أن أكون قد نسيت سهوا درج شيء ما يلزم لهم مما لم يخطر ببالي، فيجب أن تلاحظوا ذلك حيث إنكم أدرى مني في مثل هذه الأحوال بما يلزم للسفريات بمقتضى وظيفتكم. فإذا لاحظتم أي نقص يلزم مداركته في الحال، ويجب أيضا الاعتناء التام بنظام العساكر؛ حتى يكونوا بهيئة نظيفة ومنظر جميل مستكملين الشروط اللائقة بالشرف العسكري.
بناء عليه صدر أمرنا هذا لكم للإجراء على مقتضاه.
حاشية : «البنادق التي تصرف للعساكر تكون من نوع الششخانة المقلوب، مع صرف ماهية ثلاثة أشهر للضباط والعساكر .»
حاشية أخرى : «لا تصرفوا ذخائر للعساكر.»
وفي 8 صفر سنة 1282ه/3 يوليو سنة 1865م، أرسل صاحب السعادة شريف باشا رسالة برقية إلى صاحب السعادة رياض باشا بالآستانة؛ ليرفعها إلى صاحب السمو الخديوي إسماعيل، يقول فيها: إن الفرقاطة إبراهيمية رجعت فارغة بسبب ظهور الكوليرا في سواكن.
فكتب إليه الخديوي إسماعيل في 12 صفر سنة 1282ه/7 يوليو سنة 1865م الخطاب الآتي:
علم من التلغراف الوارد منكم بتاريخ 8 صفر سنة 1282ه، الموافق 3 يوليو سنة 1865م، أن الباخرة إبراهيمية التي ذهبت إلى سواكن عادت فارغة من هناك؛ بسبب أن الأورطة السودانية التي كلفت باستحضارها غير موجودة. فإذا كان الأمر كذلك، فقد كان الواجب يقضي عليها بانتظارهم هناك حسب الأمر، أو أن السبب ظهور المرض هناك؟ لم أفهم الحقيقة فعرفوني حالا وسريعا بخطاب مفصل عن كيفية الحالة.
Unknown page
والمفهوم الآن أن استحضار الأورطة المذكورة من هذا الطريق سيطول أمره، مع أن المطلوب استحضارها بغاية السرعة اليوم قبل غد. فبناء عليه أسرعوا بترحيل صاحب السعادة جعفر باشا حكمدار السودان إلى محل مأموريته بطريق أسوان، وبالطبع لدى ذهابه سيمر على دنقلة وبربر، ولدى وصوله هناك يمكنه بغاية السرعة أن يفرز من أرط العساكر السودانية الموجودة هناك العدد المطلوب لتشكيل الأورطة المطلوبة وإرسالها سريعا بطريق النيل بسبب فيضانه الآن، وبذلك يمكن حضورهم بغاية السهولة. فلأجل حضور الأورطة المذكورة بالصورة المار ذكرها بغاية السرعة يجب اتخاذ ما يلزم من جهتكم أيضا بإجراء التسهيلات والتشهيلات اللازم إجراؤها حتى يتم المقصود كما سبق وعرفناكم تلغرافيا بذلك. فيجب إعطاء التعليمات الخاصة بذلك لحضرة صاحب السعادة جعفر باشا - حكمدار السودان - وإجراء التشهيلات اللازمة بكل همة لحضور الأورطة المطلوبة في أقرب وقت إلى مصر كما هو مرغوبي.
حاشية : «إننا وإن كنا أخطرناكم قبل الآن تلغرافيا بالاحتياطات اللازم عملها بالاتفاق مع الأطباء للمحافظة على صحة البحارة بالباخرة إبراهيمية، إلا أنه خوفا من حدوث تحريف بالتلغراف أو تأخير، أرسلنا صورته طيه للاطلاع والعلم بما فيه لإجراء اللازم وتنفيذه.»
فرد صاحب السعادة شريف باشا على هذه المكاتبة بخطاب أرسله إلى رياض باشا في 17 صفر سنة 1282ه/12 يوليو سنة 1865م لعرضه على سمو الخديوي إسماعيل هذا نصه:
قد اطلع هذا العاجز على الإرادة السنية الصادرة من ولي النعم بالاستفهام عن أسباب عودة الباخرة «إبراهيمية» فارغة، وعدم انتظار ربانها هناك حسبما تقضي به مأموريته، وعلى الأمر بسرعة إرسال الأورطة السودانية المراد إحضارها من السودان بمعرفة حكمدار السودان وفرزها من العساكر الذين بدنقلة وبربر، وسوقها إلى مصر لما في ذلك من السرعة. وبناء على ما ورد من وكيل حكومة السودان من أنه طبقا للأمر العالي السابق صدوره قد فرزت الأورطة المذكورة من العساكر السودانية الموجودة في مواقع متعددة، وشرع في سوقها إلى جهة سواكن، ومن المنتظر أن تجتمع كلها بسواكن في 15 ربيع الأول سنة 1282ه، الموافق 8 أغسطس سنة 1865م، قد أرسلت إليه تعليمات بالتلغراف لوضع العساكر الجاري سوقها في المواقع المناسبة بمديرية تاكه وسوقها إلى سواكن، مع أنه ورد خبر بظهور وباء بسواكن. وعلى هذا الحساب يكون معظم العساكر المذكورة مجتمعا الآن بمديرية «تاكه»، وبناء عليه كان استصوب أن تقوم الباخرة «إبراهيمية» لغاية 8 ربيع الأول سنة 1282ه، الموافق أول أغسطس سنة 1865م، وتسافر إلى سواكن، وصمم على ذلك، ولكن الآن إذا اتبع السير طبقا للإرادة السنية الصادرة من حضرة ولي النعم، فإن وصول العساكر المذكورة إلى هنا سيتأخر مدة أخرى؛ ولذلك اضطررنا إلى عرض الكيفية انتظارا لما تقضي به الإرادة السنية. أما بخصوص عودة الباخرة «إبراهيمية» فارغة وعدم انتظارها هناك، فإن ظهور وباء بسواكن وإصابة بحارتها بالعدوى، وكذلك عدم الحصول على خبر عن وصول العساكر؛ كل ذلك جعل الربان يفضل العودة على الانتظار هناك مدة طويلة. وقد توفي ثلاثة من البحارة في أثناء سفرها إلى السويس. والسبب في أصوبية وضع الحجر على البحارة داخل هذه السفينة عند وصولها إلى السويس هو أنه نظرا لضرورة اجتناب الشمس في أثناء هذا المرض قد رئي أفضلية إبقاء البحارة بها مراعاة لصحتهم وراحتهم، بدلا من الحجر عليهم تحت الخيام في أمكنة حارة غير طلقة الهواء.
والآن لله الحمد صحة البحارة جيدة، ومع ذلك فقد حرر هذا لسرعة عرضه على الأعتاب العلية، وما تصدر به الإرادة السنية في هذا الخصوص سيبادر باتباعه وتنفيذه.
وفي 12 أغسطس سنة 1865م، أرسل الملازم صالح حجازي على رأس عشرين جنديا من فيراكروز لتعزيز أحد المواقع، وبينما هو وجنوده سائرون، انقض عليهم في طريقهم مائتا مكسيكي، فلم تجزع هذه الكتيبة الصغيرة، وأصلت العدو نارا حامية أوقعته في حيرة وارتباك. ثم انتهزت فرصة حيرته هذه والتجأت إلى مغار، ولكن سرعان ما طوقها الأعداء من كل صوب وأخذوا في مهاجمتها، إلا أنها صدتهم وحالت دون دنوهم منها إلى أن أتى جنود أنقذوها.
وفي 5 جمادى الأولى سنة 1282ه/26 سبتمبر سنة 1865م، أرسل الديوان الخديوي إلى نظارة الجهادية قائمة الضباط الذين صدر الأمر بترقيتهم في هذه الأورطة.
فأجابته بتاريخ 8 جمادى الأولى سنة 1282ه/29 سبتمبر سنة 1865م بهذه الإفادة:
عدد
1
Unknown page
اليوزباشي محمد الماس أفندي ترقى إلى رتبة بكباشي بدلا من جبر الله أفندي البكباشي المتوفى
1
الملازم الأول محمد سليمان أفندي ترقى إلى رتبة يوزباشي بدلا من محمد الماس أفندي اليوزباشي
1
الملازم الثاني خليل أفندي ترقى إلى رتبة ملازم أول بدلا من محمد أفندي سليمان الملازم الأول
1
الباشجاويش فضل الله أفندي ترقى إلى رتبة ملازم ثان بدلا من خليل أفندي فني الملازم الثاني
4
قد صار تحرير العرائض الرسمية الخاصة بترقية الضباط الأربعة المذكورين المستحقين للترقية من ضباط العساكر السودانية المصرية الذين بمكسيكا، كنص الفرمان العالي الصادر بذلك والمبلغ لنا بإفادة سعادتكم بتاريخ 5 جمادى الأولى سنة 1282ه، الموافق 26 سبتمبر سنة 1865م نمرة 39. وها هي العرائض بعد تحريرها قد أرسلت إلى سعادتكم حسب الأمر.
وفي 19 جمادى الأولى سنة 1282ه/10 أكتوبر سنة 1865م، أرسل الخديوي إسماعيل إلى صاحب السعادة علي غالب باشا - قائد لواء المشاة المؤلف من الألايين الخامس والسادس - أمرا بسرعة إحضار عساكر الأورطة السودانية الجديدة التي ستحل محل الأورطة التي بالمكسيك، وها هو:
Unknown page
الألف عسكري الجاري فرزهم بمعرفة حضرة صاحب السعادة جعفر باشا - حكمدار السودان - من بين العساكر السودانية الذين بجهات «دنقلة» و«بربر» والذين سيرسلون إلينا، مطلوب حضورهم في أقرب وقت ممكن لشدة لزومهم. ولمناسبة صدور أمري هذا إليكم أيضا لإجراء المساعدة اللازمة من طرفكم والتشهيلات الممكنة، وعدم تأخير أو توقيف العساكر التي سيرسلها أثناء الطريق، وأن ترسلوهم أولا فأولا دون انتظار بعضهم بعضا، مع سرعة إرسالهم إلى جهة «كورسكو» وإركابهم المراكب من هناك، وإرسالهم حالا إلينا. وللإحاطة حرر أمري هذا وأرسل إليكم.
وفي شهر أكتوبر من هذا العام، أرسل بلوك لعقاب فرقة من الأعداء يربو عددها على ثلاثة أضعافه، كانت قد أخرجت قطارا عن الطريق وذبحت المسافرين به ومن معهم من النساء، فهزمها وولت الأدبار بعد أن منيت بخسائر فادحة. وقد نوه قومندان الأراضي الحارة بأسماء: الملازم الثاني عبد الرحمن موسى، والأونباشي محمد سليمان، والجندي علي سليمان؛ لما أبدوه من الحمية والجرأة. وقد نالوا على أثر ذلك أوسمة عسكرية.
وكان قد تقرر من مدة إنشاء كوكبة راكبة مؤلفة من خمسين فارسا من جنود الأورطة السودانية المصرية؛ لتقوم بالاستكشاف وحراسة السكة الحديدية على الأخص، على أن تعامل معاملة المساعدين المكسيكيين من حيث الراتب، فيستولي أفرادها على مكافأة إضافية من بلدية فيراكروز نظير معاونتهم لشرطة المدينة.
وظهرت بعد زمن يسير أصالة هذه الفكرة والفائدة التي يستطاع جنيها منها. ولما كان السوداني المصري بطبيعته مطواعا وفارسا مقداما، فقد أبدى الذين وقع الاختيار عليهم لأداء هذه الخدمة الجديدة حماسة وجدا متواصلا، وأظهروا كل المؤهلات التي صيرتهم مثالا حسنا للجنود الفرسان، فتألفت منهم كتيبة من خيرة الكتائب.
وفي غضون شهر ديسمبر سنة 1865م، بلغ قائد فيراكروز أن إمبراطورة المكسيك ستمر بها في ذهابها إلى اليقطان (إحدى ولايات المكسيك)؛ فاتخذ الاحتياطات اللازمة لاستتباب النظام وتأدية مراسم التشريفات لدى وصولها إلى الأراضي الحارة.
وفي صبيحة 14 منه، سافر حرس مؤلف من ثلاثين جنديا من الأورطة السودانية المصرية بالقطار المخصوص الذي ركبه الحاكم والأعيان الذين وفدوا لمقابلة جلالتها.
ولما وصلت إلى فيراكروز، أطلق رجال مدفعية الأورطة بقيادة أحد ضباطها واحدا ومائة مدفع إكراما لجلالتها. وتألف من الحامية المؤلفة من جنود الأورطة وجنود آخرين صفان من المحطة إلى القصر، وأقيم قره قول شرف من خمسين جنديا من جنود الأورطة في القصر بقيادة يوزباشي وملازم.
ولما كانت الإمبراطورة قد أزمعت مبارحة فيراكروز في صباح الغد، فقد سافرت قبلها كوكبة الفرسان السودانية المصرية لتستكشف الطريق وتصطف على طول السكة الحديدية. ولم تلبث الإمبراطورة سوى بضعة أيام. ولدى إيابها عمل لها جميع ما عمل من التشريفات والاحتفالات عند مرورها بفيراكروز. ولما رجعت إلى مكسيكو، أعربت للإمبراطور مكسيميليان عن رضاها وارتياحها لهندام الجنود السودانية ومؤهلاتهم العسكرية التي حازت إعجاب جميع رجال البلاط؛ فتكرم الإمبراطور وأعلن عطفه السامي عليهم بمنح كل جندي من جنود الأورطة علاوة يومية على الراتب قدرها
سنتيما (1,15ج تقريبا)، وأنعم على الضباط ببعض الأوسمة المكسيكية.
وقد خاضت الأورطة في غضون عام 1865م غمار ثماني عشرة معركة.
Unknown page
عام 1866م
انتهت أدوار الوقائع الحربية الكبرى على أثر انقضاء العام الفارط. وكان من المعتزم تمضية الأشهر الأولى من هذا العام الجديد في توطيد إدارة منظمة في الأقاليم، والإقبال على تنمية قوات الإمبراطورية الجديدة وتعزيزها. لكن حال دون ذلك انضمام أحزاب جديدة في كل يوم إلى رجال الفوضى وعصابات اللصوص، فكان ذلك باعثا إلى زيادة تقدير الخدم الجلى التي كانت تقوم بها الأورطة السودانية المصرية يوميا. ولم يستتب الأمن في المنطقة المخفورة بالنقط التي يحتلها هؤلاء الجنود إلا بفضل مواظبتهم على مطاردة تلك العصابات المتحازبة. وكثيرا ما كانت تنقلب هذه المطاردات إلى حرب عوان تنتصر فيها دوما الجنود السودانية المصرية مع قلة عددهم في كل المرات عن عدد أعدائهم.
وفي بداية عام 1866م، لم تكن الأورطة السودانية المصرية الجديدة قد استعدت بعد للذهاب إلى المكسيك لتحل محل الأورطة السودانية التي بها، مع أن الخديوي إسماعيل أصدر في 10 ذي القعدة سنة 1282ه/27 مارس سنة 1866م أمرا إلى وكيل الشركة العزيزية «الشركة الخديوية فيما بعد» ليصدر التعليمات اللازمة لنقل جنود الأورطة الجديدة إلى مصر، وهذا نصه:
علمنا من الخطاب الوارد من حضرة صاحب السعادة جعفر باشا - حكمدار السودان - أنه أرسل من «تاكه» إلى ميناء سواكن أربعمائة جندي سوداني مع عائلاتهم لإرسالهم إلى مصر. ولمناسبة عدم وجود ركاب أو بضائع بكثرة في هذا الأوان بجدة لنقلهم إلى السويس، فبدلا من عودة بواخر الشركة التي بجدة ببعض ركاب أو بضائع قليلة، يمكن لإحدى بواخر الشركة التي بجدة أثناء العودة المرور على سواكن وأخذ هؤلاء العساكر منها وأيضا البضائع التي تجدونها، وذلك أفضل من عودتها فارغة، وبذلك تستفيد الشركة. وقد حرر هذا لإصدار التعليمات اللازمة.
ورغم كل هذه الأوامر والتعليمات، لم تسافر هذه الأورطة إلى المكسيك لمجاوزة مدة تجهيزها الحد المألوف بسبب ما حدث من الطوارئ، ولما تبين أن الحرب أوشكت أن تضع أوزارها، وأن الأورطة التي بها قد دنا رجوعها إلى وطنها.
وفي يوليو سنة 1866م مرت الإمبراطورة بفيراكروز لتبحر منها إلى أوروبا، ولم يكن بهذه المدينة من الجنود غير عساكر الأورطة السودانية المصرية لتأدية التشريفات اللازمة لها.
وفي ليلة 25 يوليو سنة 1866م، هاجمت فرقة مؤلفة من 200 مكسيكي نقطة يحتلها 26 جنديا من جنود الأورطة السودانية المصرية. ورغم أن الهجوم عليهم كان فجأة مع قلة عددهم، فقد استمرت رحى الحرب دائرة إلى الساعة
صباحا. ثم انسحب العدو تاركا في حومة الوغى تسعة من القتلى وعددا كبيرا من الجرحى.
وإليك ما قاله قومندان الأراضي الحارة في تقريره عن هذه المعركة:
لقد استحقت الفرقة السودانية المصرية جزيل المدح والثناء لسلوكها العجيب.
Unknown page
وقد نال اثنان من جنودها وسام الحرب، وهما: بخيت إبراهيم الشربيني، وبخيت بركة.
وكان العدو يزداد جرأة وإقداما يوما بعد يوم ، فرئي أنه من أصالة الرأي تحصين مدينة فيراكروز. وقد قامت الأورطة السودانية المصرية بالشطر الأكبر في هذا العمل.
وفي 15 أغسطس سنة 1866م، أقيم استعراض بمناسبة عيد الإمبراطور نابليون الثالث، فانتهزت هذه الفرصة للاحتفال بتسليم الجنود السودانية المصرية الأوسمة الفرنسية التي اكتسبتها ببطولتها في وقائع هذه الحرب. ثم حدثت بعد ذلك عدة وقائع بلغ بها عدد المعارك التي اشتبكت فيها الأورطة السودانية المصرية إحدى عشرة معركة في سنة 1866م.
عام 1867م
كان قد تقرر في سنة 1866م جلاء الجيوش الفرنسية التي في المكسيك، فأخذت تنسحب من 13 يناير سنة 1867م، وتم جلاؤها في 12 مارس من هذه السنة.
ولما كان تعداد جميع الأعمال الحربية التي قامت بها الأورطة السودانية المصرية بالمكسيك في كل مدة إقامتها أمرا يطول شرحه، فقد اكتفيت مع رغبتي الزائدة في توفية هذا الموضوع حقه بما ذكرته من أعمالها الهامة آنفا. وأضيف إلى ما سبق ذكره أنها اشتركت في 48 واقعة حربية في المدة التي قضتها هناك من 23 فبراير سنة 1863م إلى 12 مارس سنة 1867م؛ أي أربع سنوات وسبعة عشر يوما، وأنها فازت على أعدائها في جميع المعارك مع أنها كانت دائما أبدا أقل منهم عددا. وقد نيطت بها فوق ذلك أعمال أخرى قامت بها خير قيام.
أما المدائح المستطابة التي وجهت إليها من السلطات الفرنسية المختلفة عقب كل معركة فكثيرة جدا، وهي تشرف بالطبع الجيش المصري الذي هي جزء منه إلى أقصى حدود التشريف.
ولما أخذت الأورطة في الرحيل أبحرت من فيراكروز في 12 مارس سنة 1867م، ووصلت إلى «سانزير» ثم إلى باريس في أواخر شهر أبريل.
وكانت في مدة إقامتها بباريس تحت قيادة المارشال قائد الحرس الإمبراطوري، فقدمها بنفسه إلى الإمبراطور نابليون الثالث. وعندما استعرضها جلالته في 2 مايو سنة 1867م في الساعة الثالثة بعد الظهر، كان بمعيته صاحب السعادة جاهين باشا - ناظر الجهادية المصرية - وكان يزين صدور عدد كبير من ضباطها وجنودها وسام «لاكروا دي لا ليجيون دونور»، أو وسام الحرب، وكان هندامهم جميلا أنيقا لا عيب فيه. وقبل انصرافهم هنأ جلالته قائد الأورطة البكباشي الماس أفندي بمقدرة عساكره وأهليتهم، ووزع بيده على الذين أصيبوا بجروح - وكانوا كثيرين - المكافآت. أما البكباشي الماس أفندي الذي كان حائزا لرتبة «شفالييه دي لا ليجيون دونور» منذ 20 أبريل سنة 1864م، فقد منح في هذا اليوم وسام «لا كروا دوفسييه».
ثم غادرت الأورطة فرنسا، ووصلت إلى الديار المصرية وعددها 313 بعد أن كانت 453؛ فتكون خسارتها 140 نفسا.
Unknown page
وفي 28 مايو سنة 1867م، استعرضها الخديوي إسماعيل في فناء قصر رأس التين بالإسكندرية. وفي مساء هذا اليوم أقام لها لطيف باشا - ناظر البحرية - حفلة حافلة رأسها شريف باشا، جمعت ضباط الأورطة والضباط الفرنسيين المقيمين بالإسكندرية والمارين بها، وحضرها قنصل فرنسا العام، وموظفو القنصلية، وقائد الأسطول الفرنسي، وكثير من عظام الضباط المصريين. وكانت قاعة الاحتفال مزينة بالأعلام الفرنسية والمصرية.
وفي اليوم التالي لإقامة هذه المأدبة أرسل صاحب السمو الخديوي إسماعيل إلى ناظر الجهادية الأمر الآتي بتاريخ 25 محرم سنة 1284ه/29 مايو سنة 1867م، متضمنا الترقيات التي تعطف فأحسن بها إلى الضباط وضباط الصف بمناسبة الخدم الجليلة القيمة التي قاموا بأعبائها في المكسيك؛ تلك الخدم التي ترفع مجد مصر وشرف جيشها:
إنه بحضور الأورطة السودانية التي كانت بمكسيكا وحصر مقدارها، وجدت 313 جنديا بما فيهم الضباط والصف ضباط بموجب كشف تقدم من بكباشي وضباط الأورطة. فأما الضباط والصف ضباط فقد أحسنا عليهم بإصعادهم إلى رتب، والذين منهم من رتبة الصاغقول أغاسي فصاعدا قد أصدرنا لهم البيورلديات حسب رتبهم، والذين من رتبة اليوزباشي أصدرنا لهم أوامر خصوصية. وأما من ترقوا إلى رتبة الملازمين وإلى رتبة المساعد فهؤلاء يعطى لهم إعلانات من ديوان الجهادية تشعر بترقيتهم وإصعادهم إلى رتبهم. وبمعرفة الجهادية يجري اعتبار كل بالرتبة التي صار إصعاده إليها حسب الموضح بالكشف طيه. وأما الجنود فقد أصدرنا أمرنا في تاريخه إلى راتب باشا فريق عساكر الغارديا (الحرس) بأن يجري إصعادهم إلى رتب باشجاويشية وجاويشية حسب ما يراه فيهم من اللياقة والاستعداد والقابلية، وما يجريه يصير اعتماده بالجهادية. ثم من حيث إنه يوجد بالأورطة المذكورة أشخاص سقط من الأونباشية الذين ترقوا مساعدين، ثم من الأنفار الذين سيترقون جاويشية وباشجاويشية بمعرفة راتب باشا، فهؤلاء يصير اعتبارهم بالرتب التي صار وسيصير إصعادهم إليها، وتحسب لهم ماهياتهم وتعييناتهم وكساويهم، ويربط لهم ذلك معاشا، ويخصص لهم محل في طرا لإسكانهم وتوطنهم فيه. وهذا ما لزم إصداره إليكم لاعتماد الإجراء بمقتضاه.
وهذا هو الكشف المنوه عنه في هذا الأمر:
عدد
1
البكباشي محمد أفندي الماس
ترقى إلى رتبة أميرألاي
برنجي بلوك.
عدد
Unknown page