بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
١ - مجْلِس فِي الِاسْتِعَاذَة
١ - تَفْسِير الِاسْتِعَاذَة
قَالَ الله ﵎ ﴿وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ فاستعذ بِاللَّه إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم﴾ الْأَعْرَاف ٢٠٠ وَقَالَ تَعَالَى ﴿فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه﴾ النَّحْل ٩٨ الْمَعْنى فاستعذ بِاللَّه إِذا أردْت أَن تقْرَأ الْقُرْآن أعوذ بِاللَّه ملاذا وعياذا وَيُقَال هَذَا عوذ لي مِمَّا أَخَاف مِنْهُ أَي مجيري والدافع عني وَتسَمى الْمَرْأَة عائذا لِأَنَّهَا تعوذ بِوَلَدِهَا
والتعوذ بِالْقُرْآنِ هُوَ الشِّفَاء من آفَات الشَّيْطَان
وَكَانَ النَّبِي ﷺ يتَعَوَّذ من آفَات كَثِيرَة تَوَاتَرَتْ بهَا الْأَخْبَار
وَكَانَ رَسُول الله ﷺ يتَعَوَّذ من الْبُخْل والجبن والهرم والكسل وَعَذَاب الْقَبْر وفتنة الدَّجَّال فتعوذوا مِمَّا تعوذ مِنْهُ نَبِيكُم ﷺ واعتصموا بمولاكم الْعَظِيم من كيد الشَّيْطَان الرَّجِيم
أعوذ بِاللَّه وأحتمي بِاللَّه وأستكفي بِاللَّه يَا قَارِئ يَا تالي بِمن تعوذ بِمن تلوذ بِمن تستغيث بِمن تستجير بِمن تَسْتَنْصِر بِمن تعتصم بِمن تحتمي بِمن تستكفي إِلَّا بِاللَّه
٢ - نصائح
اعْلَم أَن المستعيذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم معتصم بِحَبل الله المتين
1 / 10
أعوذ بِاللَّه من الذُّنُوب والعصيان أعوذ بِاللَّه من الضلال والخذلان أعوذ بِاللَّه من سخط الرَّحْمَن
اعْلَم يَا أخي أَن العَبْد إِذا اعْتصمَ بِحَبل السُّلْطَان الْمَخْلُوق سلم من شَرّ الظَّالِمين فأحرى أَن يسلم المستعيذ بِرَبّ الْعَالمين من الشَّيْطَان الْعَدو اللعين
روى عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ (من استعاذ بِاللَّه فِي الْيَوْم عشر مَرَّات من الشَّيْطَان الرَّجِيم وكل الله بِهِ ملكا يذود عَنهُ شَرّ الشَّيْطَان كَمَا تذاد الغريبة من الْإِبِل عَن الْحَوْض فَكيف لَا يسلم المستعيذ بِاللَّه من الشَّيْطَان وَالْملك يذود عَنهُ بِأَمْر الْملك الديَّان
٣ - كَيْفيَّة الِاسْتِعَاذَة
أعوذ بِاللَّه من أكل الْحَرَام أعوذ بِاللَّه من ظلم الضُّعَفَاء والأيتام أعوذ بِاللَّه من ارْتِكَاب الْكَبَائِر والآثام أعوذ بِاللَّه من سخط الْملك العلام
أعوذ بِاللَّه من عدم التَّوْفِيق لحسن الْعَمَل أعوذ بِاللَّه من الركون إِلَى طول الأمل أعوذ بِاللَّه من تمزيق الْأَعْمَار فِي مُخَالفَة هدي الْأَبْرَار ونستعينه على تَطْهِير الْقُلُوب من طوالع الارتياب وجنايات الاغتياب فَإِنَّهُ دَاء قد أعيا دواؤه وَتعذر شفاؤه وَعم بلاؤه وكما نستعين بِهِ على تَطْهِير ضمائرنا من حب الدُّنْيَا فَإِن حب الدُّنْيَا رَأس كل خَطِيئَة وأصل كل بلية فَلذَلِك نَسْأَلهُ علما نَافِعًا وَعَملا متقابلا وإيمانا صَرِيحًا ويقينا صَحِيحا
أعوذ بِاللَّه من رَأْي يكون ضلالا أعوذ بِاللَّه من عمل يصير حسرة ووبالا أعوذ بِاللَّه من نِيَّة تعقب وزرا أعوذ بِاللَّه من عَزِيمَة تجلب شرا أعوذ بِاللَّه من عدم التَّوْفِيق أعوذ بِاللَّه من ترك التَّحْقِيق أعوذ بِاللَّه من ترك السعَة وَالرُّجُوع إِلَى الضّيق
تحذير من الشَّيْطَان
عباد الله تَفَكَّرُوا فِي إِخْرَاج أبيكم آدم من الْجنَّة دَار الْأمان وهبوطه إِلَى دَار الذل والهوان وَكَانَ سَبَب ذَلِك الملعون الشَّيْطَان
وَقد نهاكم مولاكم عَن طَاعَته وأمركم بمعصيته فَإِن فِي طَاعَته سخط الرَّحْمَن ومعصيته توجب سُكْنى الْجنان ونزول مَحل الرضْوَان
قَالَ الله ﷾ ﴿الشَّيْطَان يَعدكُم الْفقر ويأمركم بالفحشاء﴾
1 / 11
الْبَقَرَة ٢٦٨ فَمن أطاعه خذله وصده عَن الْهدى وَفتح فِي قلبه أَبْوَاب الضَّلَالَة والردى
قَالَ الله ﵎ ﴿وَكَانَ الشَّيْطَان للْإنْسَان خذولا﴾ الْفرْقَان ٢٩ أعوذ بِاللَّه من وسواس الصَّدْر أعوذ بِاللَّه من الْمَكْر والغدر أعوذ بِاللَّه من شتات الْأَمر أعوذ بِاللَّه من قلَّة الشُّكْر أعوذ بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر أعوذ بِاللَّه من ترك المتاب أعوذ بِاللَّه من شدَّة الْعَذَاب أعوذ بِاللَّه من مناقشة الْحساب أعوذ بِاللَّه من غضب رب الأرباب
٥ - التَّعَوُّذ عبَادَة
وَاعْلَمُوا عباد الله أَن التَّعَوُّذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم هُوَ من أفضل الْعِبَادَات لِأَن الله تَعَالَى قد أَمر عَبده الْمُؤمن أَن يتَعَوَّذ بِهِ من الشَّيْطَان الرَّجِيم فِي مُحكم الْقُرْآن الْكَرِيم
الله الله لَا تقروا عين عَدوكُمْ الشَّيْطَان فَإِنَّهُ يؤديكم إِلَى عَذَاب النيرَان ويصدكم عَن دَار الْخلد وسكنى الْجنان
أعوذ بِاللَّه من مرديات الْأَعْمَال أعوذ بِاللَّه من الغي والمحال أعوذ بِاللَّه من سخط ذِي الْجلَال
وَاعْلَمُوا وفقنا الله وَإِيَّاكُم أَن من دخل الْحصن سلم من شَرّ الْأَعْدَاء وَصَارَ فِي حرز ذِي النعم والآلاء وَمن استعاذ بِالْملكِ الرَّحْمَن سلم من شَرّ الْعَدو الشَّيْطَان
والاستعاذة أحصن حصن لدين الْمُؤمن من كيد الشَّيْطَان الرَّجِيم وأحرز حرز لِقَلْبِهِ من وسواس الْعَدو اللَّئِيم
أعوذ بِاللَّه من شَهَادَة الزُّور أعوذ بِاللَّه من ركُوب الْفُجُور أعوذ بِاللَّه من الغي والنفور أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان المبعد المثبور أعوذ بِاللَّه من الركون إِلَى دَار الْغرُور أعوذ بِاللَّه من سخط الْملك الغفور
٦ - تعوذ النَّبِي ﷺ
رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه كَانَ يَقُول (اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من صَاحب غَفلَة وقرين سوء وروح أَذَى) أعوذ بِاللَّه من شماتة الْأَعْدَاء أعوذ بِاللَّه من خيبة الرَّجَاء أعوذ بِاللَّه من عضال الدَّاء أعوذ بِاللَّه من مُخَالفَة الْهدى أعوذ بِاللَّه من أَفعَال الردى أعوذ بِاللَّه من سخط ذِي النَّعيم والآلاء أعوذ بِاللَّه من عثرات اللِّسَان
1 / 12
أعوذ بِاللَّه من النميمة والخذلان أعوذ بِاللَّه من الْغَيْبَة والبهتان أعوذ بِاللَّه من عُقُوبَة الْملك الديَّان ٧
أَحَادِيث فِي عَذَاب الْقَبْر
رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه مر على البقيع فَوقف على قبر ثمَّ قَالَ (الْآن أقعدوه والآن سَأَلُوهُ وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لقد ضربوه بأرزبة من نَار لقد تطاير قلبه نَارا) ثمَّ وقف على قبر آخر فَقَالَ مثل مقَالَته على الْقَبْر الأول ثمَّ قَالَ ﷺ لأَصْحَابه (وَلَوْلَا أَنِّي أخْشَى على قُلُوبكُمْ لسألت الله أَن يسمعكم من عَذَاب الْقَبْر مثل الَّذِي أسمع) فَقَالُوا يَا رَسُول الله مَا كَانَ فعل هذَيْن الرجلَيْن فَقَالَ ﵇ (أما أَحدهمَا فَكَانَ يمشي بالنميمة بَين النَّاس وَكَانَ الآخر لَا يستنزه من الْبَوْل)
٨ - أَسبَاب عَذَاب الْقَبْر
وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ (لَا يعذب أحد فِي قَبره إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث فِي الْغَيْبَة والنميمة وَالْبَوْل) فَالله الله عباد الله تعوذوا بِاللَّه من الْغَيْبَة والنميمة والبهتان وأذى الْجِيرَان فَإِن ذَلِك كُله يبعد عَن الرَّحْمَن وَيقرب من الشَّيْطَان ويصد عَن الجبان وَيُؤَدِّي إِلَى النيرَان
أعوذ بِاللَّه من عِلّة الدّين أعوذ بِاللَّه من ضعف الْيَقِين أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان اللعين أعوذ بِاللَّه من سخط رب الْعَالمين أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان المثبور أعوذ بِاللَّه من عَذَاب الْقُبُور أعوذ بِاللَّه من ترك النَّعيم وَالسُّرُور أعوذ بِاللَّه من الصد من دَار الحبور أعوذ بِاللَّه من عَذَاب الويل وَالثُّبُور أعوذ بِاللَّه من عُقُوبَة من يعلم مَا فِي الصُّدُور
٩ - الْقُرْآن يَأْمر بالاستعاذة
وَاعْلَمُوا عباد الله أَن من استعاذ بِاللَّه الْعَظِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم فقد عمل بِالْقُرْآنِ الْحَكِيم وَذَلِكَ أَن الله ﵎ أمره بالاستعاذة من اللعين إِبْلِيس فِي آي كَثِيرَة من الْقُرْآن
1 / 13
فَمن استعاذ بِالْملكِ الْوَهَّاب من شَرّ الشَّيْطَان الْكذَّاب فقد عمل بِالسنةِ وَأَحْكَام الْكتاب
وَالْقُرْآن شَافِع لمن عمل بِهِ وخصم على من لم يعْمل بِهِ
وَاعْلَمُوا عباد الله أَن الشَّيْطَان يصدكم عَن الْعَمَل بالتنزيل ويبعدكم عَن الْملك الْجَلِيل ويلقيكم فِي مَعْصِيَته لتصيروا إِلَى الْعَذَاب الدَّائِم الطَّوِيل فِي الْيَوْم الهائل العبوس الثقيل
١٠ - لكل أحد الشَّيْطَان
رُوِيَ عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ ﵂ أَنَّهَا قَالَت قلت يَا رَسُول الله مَا من أحد إِلَّا وَمَعَهُ شَيْطَان قَالَ نعم قَالَت وَأَنت يَا رَسُول الله قَالَ وَأَنا إِلَّا أَن الله أعانني عَلَيْهِ فَأسلم أعوذ بِاللَّه من خشوع النِّفَاق أعوذ بِاللَّه من الْبعد والفراق أعوذ بِاللَّه من مُخَالفَة الْملك الخلاق أعوذ بِاللَّه من عَذَاب يَوْم التلاق أعوذ بِاللَّه من الْخلاف بعد الْوِفَاق
وأنشدوا
(وَيحك عذ بِاللَّه ذِي الْجلَال ... وَالْمجد والنعماء والإفضال)
(ثمَّ اتل آيَات من الْقُرْآن ... ووحد الله وَلَا تبال)
أعوذ بِاللَّه من عبد شارد أعوذ بِاللَّه من شَيْطَان مارد أعوذ بِاللَّه من عَدو حَاسِد أعوذ بِاللَّه من قلب فَاسد أعوذ بِاللَّه من بدن عَن الطَّاعَة متقاعد
وَاعْلَمُوا عباد الله أَن الله ﵎ إِذا أَرَادَ بِعَبْدِهِ خيرا أبعد عَنهُ شَيْطَانه وأعانه عَلَيْهِ ونشطه للطاعة وأزال عَن بدنه الكسل فَأقبل العَبْد عِنْد ذَلِك على مَوْلَاهُ وَأعْرض عَمَّن سواهُ وآثر رِضَاء سَيّده على هَوَاهُ فَعِنْدَ ذَلِك يَجْعَل الله الْجنَّة الْعَالِيَة مَأْوَاه
وَإِذا أَرَادَ بِعَبْدِهِ شرا مكن مِنْهُ شَيْطَانه وسلطه عَلَيْهِ فَأَبْعَده عَن طَاعَة الْجَبَّار وكسله عَن عمل الْأَبْرَار وحبب إِلَيْهِ أَعمال أهل النَّار وبغض إِلَيْهِ أَعمال أهل دَار الْقَرار
1 / 14
١١ - فَرح الشَّيْطَان بالعاصي الْجَاهِل
رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ (إِذا بلغ الرجل أَرْبَعِينَ سنة وَلم يغلب خَيره على شَره قبله الشَّيْطَان بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ فديت وَجها لَا يفلح أبدا فَإِن من الله وَتَابَ عَلَيْهِ واستنقذه من الضَّلَالَة واستخرجه من غَمَرَات الْجَهَالَة يَقُول الشَّيْطَان لَعنه الله واويلاه قطع عمره فِي الضَّلَالَة فَأقر بالمعصية عَيْني ثمَّ أخرجه الله بِالتَّوْبَةِ من الْجَهَالَة فَأكْثر بِالتَّوْبَةِ حزني
فَالله الله عباد الله لَا تقبلُوا وسواس الْعَدو الشَّيْطَان وَارْجِعُوا بِالتَّوْبَةِ إِلَى موالكم الرَّحْمَن فعساه أَن يستر ذنوبكم وعيوبكم بستر الغفران إِنَّه كريم متفضل منان
أعوذ بِاللَّه من الشقاوة بعد السَّعَادَة أعوذ بِاللَّه من الْغرَّة بعد الْإِرَادَة وَأَعُوذ بِاللَّه من النُّقْصَان بعد الزِّيَادَة أعوذ بِاللَّه من الْكفْر بعد الْإِيمَان أعوذ بِاللَّه بِاللَّه من القطيعة والحرمان أعوذ بِاللَّه من طَاعَة الشَّيْطَان أعوذ بِاللَّه من الْعقُوبَة والهوان أعوذ بِاللَّه من نقض العهود أعوذ بِاللَّه من مُخَالفَة الْملك المعبود أعوذ بِاللَّه من الْعَذَاب الدَّائِم وَالْخُلُود أعوذ بِاللَّه من سخط ذِي الْكَرم والجود
عباد الله احْذَرُوا مَكَائِد الشَّيْطَان فَإِنَّهُ عَارِف بالعيوب بَصِير بإلقاء العَبْد فِي الذُّنُوب لَهُ طرق كَثِيرَة إِلَى الصُّدُور فاستعيذوا من شَره بمولاكم علام الغيوب
أعوذ بِاللَّه من قلب لَا يخشع أعوذ بِاللَّه من عين لَا تَدْمَع أعوذ بِاللَّه دُعَاء لَا يسمع أعوذ بِاللَّه من عمل لَا يرفع أعوذ بِاللَّه من علم لَا ينفع
أعوذ بِاللَّه من الْمصير إِلَى عَذَاب الله أعوذ بِاللَّه من النحيبة من رَحْمَة الله وَمن التزين بمعصيته
أعوذ بِاللَّه من زيغ الْقُلُوب أعوذ بِاللَّه من تتَابع الذُّنُوب أعوذ بِاللَّه من ترادف الْعُيُوب أعوذ بِاللَّه من سخط علام الغيوب
أعوذ بِاللَّه من مضلات الْفِتَن أعوذ بِاللَّه من الْبلَاء والمحن أعوذ بِاللَّه من سخط ذِي الْجُود والمنن
أعوذ بِاللَّه من النَّقْص بعد التَّمام أعوذ بِاللَّه من التَّخَلُّف بعد الْإِقْدَام أعوذ بِاللَّه من سخط أحكم الْأَحْكَام
1 / 15
١٢ - جنود إِبْلِيس
ذكر فِي بعض الْأَخْبَار أَن إِبْلِيس لَعنه الله يبْعَث فِي كل يَوْم ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ عسكرا لإضلال الْمُؤمنِينَ وَالله تَعَالَى ينظر فِي قُلُوبهم ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ نظرة فَفِي كل نظرة من نظراته تهْلك عسكرا من عساكره فَأنى تبقى عَسْكَر للشَّيْطَان فِي جنب نظرة الرَّحْمَن
فَالله الله عباد الله لَا تقبلُوا وسواس الشَّيْطَان المخدوع واستعملوا قُلُوبكُمْ وصدوركم بِالْآيَاتِ والخشوع وأسيلوا على مَا فرطتم غزير الدُّمُوع
أعوذ بِاللَّه من عواقب الْخلاف أعوذ بِاللَّه من الجرأة وَالِاسْتِخْفَاف أعوذ بِاللَّه من الْعِصْيَان وَقلة الِاعْتِرَاف
أعوذ بِاللَّه من الْبَاطِل وشره أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان ومكره أعوذ بِاللَّه من الْعِصْيَان وَذكره
أعوذ بِاللَّه من فَسَاد الْقلب أعوذ بِاللَّه من ترادف الذَّنب على الذَّنب أعوذ بِاللَّه من سخط الْملك الرب
١٣ - محاورة إِبْلِيس لمُوسَى
رُوِيَ أَن الشَّيْطَان لعنة الله عَلَيْهِ قَالَ لمُوسَى بن عمرَان صلوَات الله على نَبينَا وَعَلِيهِ لَا تخلون بِامْرَأَة غير ذِي محرم فَأَكُون ثالثكما وَلَا تقضين فأنال مِنْك وَإِذا هَمَمْت بِصَدقَة فبادر إِلَيْهَا فَإنَّك إِن لم تبادر إِلَيْهَا فتحت لَك فِي ذَلِك سبعين بَابا من الْفقر أمنعك بهَا من الصَّدَقَة
وَقيل فِي قَول الله ﷿ ﴿الشَّيْطَان يَعدكُم الْفقر ويأمركم بالفحشاء وَالله يَعدكُم مغْفرَة مِنْهُ وفضلا﴾ الْبَقَرَة ٢٦٨ الْآيَة
أَي يردك الشَّيْطَان إِلَى نَفسك ولينسيك اشتغالك بِرَبِّك وَقيل يَعدكُم الْفقر فِي طلب فَوق الكفاف فَيكون عنْدك مَا يَكْفِيك وَأَنت تحرص على جمع الزِّيَادَة وَهُوَ الْفقر اللَّازِم فيردك عَن غَنِي الْكِفَايَة إِلَى طلب الْمَزِيد وَهُوَ الْفقر الْحَاضِر الَّذِي يُؤَدِّي صَاحبه إِلَى الْعَذَاب الدَّائِم الشَّديد
وَقيل يَعدكُم الْفقر فِي الْبَذْل وَالعطَاء فِي مرضاة الله ﷿ وَهُوَ الْغَنِيّ لِأَن الله تَعَالَى يَعدكُم مغْفرَة وفضلا فَيَنْبَغِي للْعَبد أَن يذكر منن الله تَعَالَى عَلَيْهِ وإحسانه إِلَيْهِ وإفضاله لَدَيْهِ
1 / 16
١٤ - أصل الْبُخْل وَالْكَرم
وَاعْلَمُوا عباد الله أَن الله ﵎ قَالَ فِي مُحكم التَّنْزِيل على لِسَان مُحَمَّد رَسُوله ﵇ ﴿وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون﴾ الْحَشْر ٩ وَمن هُوَ بخيل شحيح فَلَيْسَ بواق وَلَا مُفْلِح
وَاعْلَم أَن الْبُخْل شَجَرَة فِي النَّار وَأَغْصَانهَا مدلاة على الدُّنْيَا وَهِي شَجَرَة الشَّيْطَان فَمن تعلق بِغُصْن مِنْهَا قادته إِلَى النَّار
وَكَذَلِكَ الْكَرم شَجَرَة فِي الْجنَّة وَأَغْصَانهَا مدلاة على الدُّنْيَا فَمن تعلق بِغُصْن مِنْهَا جذبه إِلَى النَّعيم وَالْكَرم من أَخْلَاق الْملك الْكَرِيم فَمن تعلق بِهِ فقد أَسخط الشَّيْطَان الرَّجِيم
وَدَلِيل هَذَا أَن الله ﵎ لم يبْعَث نَبيا قطّ إِلَّا وَهُوَ كريم وَلَا رَأَيْتُمْ عبدا صَالحا إِلَّا وَهُوَ كريم
قَالَ فالكرم من أَخْلَاق النَّبِيين وَالصديقين وَهُوَ من أَخْلَاق رب الْعَالمين فاستعملوه بَيْنكُم يَا معاشر الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات يَا أمة مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين
أعوذ بِاللَّه من عين لَا تبْكي عَلَيْهِ أعوذ بِاللَّه من قلب لَا يشتاق إِلَيْهِ أعوذ بِاللَّه من دُعَاء لَا يصل إِلَيْهِ أعوذ بِاللَّه من الذل إِلَّا إِلَيْهِ
١٥ - نجاة المستعيذ من الْعَذَاب
وَاعْلَمُوا عباد الله أَن المستعيذ بِاللَّه الْعَظِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم نَاجٍ من الْعَذَاب الْأَلِيم وَذَلِكَ أَن الله ﷾ قَالَ (\ الشَّيْطَان يَعدكُم الْفقر ويأمركم بالفحشاء وَالله يَعدكُم مغْفرَة مِنْهُ وفضلا وَالله وَاسع عليم) الْبَقَرَة ٢٦٨ وَإِنَّمَا يَأْمُركُمْ الشَّيْطَان بالفحشاء ليحرق غَيره كَمَا أحرق نَفسه
قَالَ الله تَعَالَى ﴿ودوا لَو تكفرون كَمَا كفرُوا فتكونون سَوَاء﴾ النِّسَاء ٨٩ أعوذ بِاللَّه من اللَّهْو والغفلات أعوذ بِاللَّه من الْعَذَاب والحسرات أعوذ بِاللَّه من غضب إِلَه الأَرْض وَالسَّمَوَات
إخْوَانِي أطِيعُوا مولاكم الْملك الْجَلِيل ودعوا كيد الشَّيْطَان المهين الذَّلِيل وَاعْمَلُوا بِالسنةِ والتنزيل
١٦ - خِصَال الْخَيْر عَن الإِمَام عَليّ
رُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه أَنه قَالَ من جمع سِتّ خِصَال لم يدع للجنة مطلبا وَلَا عَن النَّار مهربا أَولهَا من عرف الله فأطاعه وَالثَّانيَِة من
1 / 17
عرف الشَّيْطَان فَعَصَاهُ وَالثَّالِثَة من عرف الْحق فَاتبعهُ وَالرَّابِعَة من عرف الْبَاطِل فاجتنبه وَالْخَامِسَة من عرف الدُّنْيَا فَأَعْرض عَنْهَا وَالسَّادِسَة من عرف الْجنَّة فطلبها
فَالله الله عباد الله اجتهدوا فِي طَاعَة الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَاجْتَنبُوا كيد الشَّيْطَان الرَّجِيم
١٧ - من رأى إِبْلِيس من الصَّحَابَة وَالصَّالِحِينَ
رُوِيَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ ﵁ قَالَ رَأَيْت إِبْلِيس اللعين فِي الْمَنَام منكوسا فهممت أَن أقرعه بالعصا فَقَالَ لي يَا أَبَا سعيد أما علمت أَنِّي لَا أَخَاف من الْعَصَا وَلَا من الأسلحة قَالَ فَقلت لَهُ يَا مَلْعُون فَمَا الَّذِي تخافه قَالَ أَخَاف من شَيْئَيْنِ أَحدهمَا استعاذة المستعيذين وَالثَّانِي شُعَاع معرفَة الصَّادِقين
أعوذ بِاللَّه مِمَّن لَا يشفق على نَفسه أعوذ بِاللَّه مِمَّن لَا يبكي على رمسه أعوذ بِاللَّه مِمَّن لَا يقدم ليومه من أمسه
حُكيَ عَن الْجُنَيْد ﵀ عَلَيْهِ أَنه قَالَ رَأَيْت إِبْلِيس فِي الْمَنَام عُريَانا يتلاعب بِالنَّاسِ فَقلت أما تَسْتَحي من النَّاس فَقَالَ الملعون بِاللَّه عَلَيْك هَؤُلَاءِ عنْدك نَاس
لَو كَانُوا من النَّاس مَا تلاعبت بهم كَمَا يتلاعب الصّبيان بالكرة فَقلت لَهُ يَا مَلْعُون وَمن النَّاس قَالَ ثَلَاثَة نفر بِمَسْجِد الشِّيرَازِيّ كَذَا سمي الْمَسْجِد أمرضوا كَبِدِي وأنحلوا جسمي كلما هَمَمْت بهم أشاروا إِلَى الله تَعَالَى فأكاد أَن أحترق قَالَ الْجُنَيْد فانتبهت وَقد بَقِي من اللَّيْل بَقِيَّة فَخرجت إِلَى الْمَسْجِد الَّذِي ذكر الملعون فدخلته فَإِذا بِثَلَاثَة نفر قعُود رؤوسهم فِي مرقعاتهم فَقَالَ لي أحدهم يَا أَبَا الْقَاسِم أَنْت كلما قيل لَك شَيْئا تقبله يَا أخي اعْلَم أَن من تعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم فقد ثَبت على الدّين القويم وَذَلِكَ أَن الله سُبْحَانَهُ أخبر عَن إِبْلِيس اللعين ﴿لأقعدن لَهُم صراطك الْمُسْتَقيم﴾ الْأَعْرَاف ١٦ وَذَلِكَ أَنه بَعثه الله تَعَالَى قَاطعا طَرِيق الدّين كَمَا أَن اللُّصُوص قطاع لطريق الدُّنْيَا على الْمُسلمين فإبليس لَعنه الله قَاطع طَرِيق العقبى ليصدكم عَن الْحق وَالْهدى فَإِذا استعذت مِنْهُ هرب مِنْك وَلم يقدر على قطع طَرِيق الدّين
١٨ - وقاية الله من إِبْلِيس
قَالَ الله سُبْحَانَهُ ﴿وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ فاستعذ بِاللَّه﴾
1 / 18
الْأَعْرَاف ٢٠٠ وَقَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّه لَيْسَ لَهُ سُلْطَان على الَّذين آمنُوا﴾ النَّحْل ٩٩ الْآيَة وَقد أَمر الله تَعَالَى عباده أَن يَقُولُوا فِي الصَّلَاة سبع عشرَة مرّة فِي سبع عشرَة رَكْعَة وَهِي عدد رَكْعَات الْفَرْض ﴿اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم﴾ الْفَاتِحَة ٦ فَأنى يَضرك كيد الشَّيْطَان الرَّجِيم
اعْلَم يَا أخي أَن الْبَيْت الْمَعْمُور كَانَ فِي الأَرْض إِلَى وَقت طوفان نوح ﵊ فحفظ من الْغَرق وَسلم من الطوفان وَرفع إِلَى السَّمَاء
وقلب الْمُؤمن أفضل من الْبَيْت الْمَعْمُور أَكثر من ألف ألف مرّة فَهُوَ بِالْحِفْظِ أولى لِأَن الْبَيْت الْمَعْمُور معمور بِعبَادة الْمَلَائِكَة وقلب الْمُؤمن معمور بِنَظَر الْخَالِق إِلَيْهِ فشتان مَا بَينهمَا
ذكر عَن أبي سعيد أَنه قَالَ فِي قَول الله ﷿ ﴿إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان﴾ الْحجر ٤٢ كَأَنَّهُ يَقُول إِن كَانَ لَك عَلَيْهِم أَن تلقيهم فِي مَعْصِيّة الله فَلَيْسَ لَك عَلَيْهِم أَن تمنعهم من مغْفرَة الله
وَقَول آخر إِن كَانَ للشَّيْطَان سُلْطَان فِي إِلْقَاء العَبْد فِي الْمعْصِيَة فَأولى أَن يكون لمغفرة الله سُلْطَان فِي تَطْهِير العَبْد من الخطية وَلَيْسَت قُوَّة الشَّيْطَان بِأَكْثَرَ قُوَّة من مغْفرَة الرَّحْمَن فِي قُلُوب أهل الْإِيمَان
أعوذ بِاللَّه من كَثْرَة الْفساد أعوذ بِاللَّه من ظلم الْعباد أعوذ بِاللَّه من غضب رب جواد أعوذ بِاللَّه من عَذَاب يَوْم التناد أعوذ بِاللَّه من الْقطع والبعاد
وأنشدوا
(أعوذ بالرحمن من موقف ... يشهده الْمُؤمن وَالْكَافِر)
(إِن كنت بئس العَبْد يَا سَيِّدي ... فَأَنت رب سيد غَافِر)
١٩ - ضعف الْإِنْسَان والشيطان
وَاعْلَمُوا عباد الله أَن الله ﵎ سمى الْإِنْسَان ضَعِيفا وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى ﴿إِن كيد الشَّيْطَان كَانَ ضَعِيفا﴾ النِّسَاء ٧٦ والضعيفان إِذا اقتتلا وَلم يكن لوَاحِد مِنْهُمَا معِين لم يظفر بِصَاحِبِهِ فَأمر الله الْإِنْسَان الضَّعِيف أَن يَسْتَعِين بالرب اللَّطِيف من كيد الشَّيْطَان الضَّعِيف ليعصمه مِنْهُ ويعينه عَلَيْهِ
من كَانَ فِي معونته الْإِلَه الْعَظِيم لم يضرّهُ كيد الشَّيْطَان الرَّجِيم من كَانَ فِي معونته الْملك الْوَهَّاب لم يضرّهُ كيد الشَّيْطَان الْكذَّاب من كَانَ فِي معونته الْملك القهار لم
1 / 19
يضرّهُ كيد الشَّيْطَان الْفِرَار من كَانَ فِي معونته الْملك الرَّحْمَن لم يضرّهُ كيد الشَّيْطَان وأنشدوا
(العَبْد فِي كنف الْإِلَه وَحفظه ... من كل شَيْطَان غوى ساه)
(إِن عاذ بالرحمن عِنْد صباحه ... وكذاك إِن أَمْسَى بِذكر الله)
٢٠ - دُعَاء يعْصم من الشَّيْطَان
رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ (من قَالَ حِين يصبح وَحين يُمْسِي أعوذ بِاللَّه الْعَظِيم وبوجهه الْكَرِيم وسلطانه الْقَدِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم قَالَ قرينه عوفي هَذَا العَبْد مني الْيَوْم) شعر
(يَا رجائي فِي بلائي ... لَا تزل عني خيرك)
(أَنْت رَبِّي أَنْت حسبي ... أَنا لَا أعبد غَيْرك)
أعوذ بِاللَّه من عدم الْإِخْلَاص أعوذ بِاللَّه من هول يَوْم الْقصاص أعوذ بِاللَّه من ترك الاسْتقَامَة أعوذ بِاللَّه من الْعَذَاب والملامة أعوذ بِاللَّه من هول يَوْم الْقِيَامَة أعوذ بِاللَّه من الْحَسْرَة والندامة أعوذ بِاللَّه من حرمَان الْكَرَامَة
٢١ - لماذا حجب الله إِبْلِيس
يَا أخي إِن الله تَعَالَى لما قبح صُورَة إِبْلِيس ولعنه وشوه خلقته وأوحش هيأته وقامته لطف بعباده حَيْثُ ستره عَنْهُم حَتَّى لَا تستوحش قُلُوبهم إِذا أبصرته أَعينهم وَلذَلِك جعل الْمولى ﷻ السَّمَاء مَوضِع نظرهم وزينها بعلامات الرسوم وحفظها من الشَّيْطَان الرَّجِيم برواصد النُّجُوم فَكَأَنَّهُ قَالَ سُبْحَانَهُ يَا عبَادي لَا يصلح لأبصاركم مَا كَانَ مشوها قبيحا بل يصلح لَهَا مَا كَانَ مزينا مليحا هَذِه مُعَامَلَته ﷾ مَعَ جَمِيع النَّاس فِي الدُّنْيَا فَأولى أَن يلطف بِالْمُؤْمِنِينَ فِي العقبى يصون أَبْصَارهم عَن النّظر إِلَى النَّار الْكُبْرَى وَهِي الْجَحِيم ويكرمها بِالنّظرِ إِلَى الدَّار المزينة وَهِي جنَّة النَّعيم أعوذ بِاللَّه من مُخَالفَة الْأَحْكَام
1 / 20
أعوذ بِاللَّه من التَّمَادِي فِي الآثام أعوذ بِاللَّه من مَعْصِيّة السَّلَام أعوذ بِاللَّه من عَذَاب الغرام
٢٢ - زِينَة السَّمَاء
رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ (لما خلق الله ﵎ الْجنَّة قَالَ لَهَا تزيني فازينت ثمَّ قَالَ لَهَا تكلمي فَقَالَت قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ فَجعل الله تَعَالَى السَّمَاء فِي الدُّنْيَا مَوضِع نظرك وَجعل الْجنَّة المزينة فِي العقبى مَوضِع ترغبك فَإِذا ستر الله تَعَالَى إِبْلِيس الملعون فِي الدُّنْيَا وغيبه عَن بَصرك لِئَلَّا يستوحش قَلْبك بقبح صورته فَأولى أَن يستر أعمالك القبيحة من الْفساد والآثام من الفضيحة يَوْم التناد على رُؤُوس الأشهاد
لطف الله بعباده فَستر إِبْلِيس عَنْهُم فَقَالَ ﴿إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله من حَيْثُ لَا ترونهم﴾ الْأَعْرَاف ٢٧ فَكَأَنَّهُ ﷾ قَالَ لعَبْدِهِ الْمُؤمن أَنا حَبِيبك الْأَعْظَم وَإِن إِبْلِيس عَدوك الْأَعْظَم فَلَو رَأَيْته وَهُوَ أعظم أعدائك عَلَيْك لشق ذَلِك عَلَيْك فَسترته عَنْك ليَكُون حزن الدُّنْيَا ونصبها وترادف همومها وغمومها أَهْون عَلَيْك
وَكَانَ أَيْضا يجْتَمع عَلَيْك مغيب حَبِيبك الْأَعْظَم ورؤيتك عَدوك الْأَعْظَم فغيب إِبْلِيس عَنْك حَتَّى لَا ترَاهُ كَمَا لَا ترى حَبِيبك الْأَعْظَم فَيكون الْأَمر أَهْون عَلَيْك
أعوذ بِاللَّه من التضليل والتسويف أعوذ بِاللَّه من الزيغ والتحريف أعوذ بِاللَّه من سخط الرب اللَّطِيف
حُكيَ عَن سهل بن عبد الله التسترِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ قَالَ رَأَيْت إِبْلِيس اللعين فِي الْمَنَام فَقلت لَهُ أَي شَيْء أَشد عَلَيْك فَقَالَ استعاذة المستعيذ بِرَبّ الْعَالمين الَّذِي هُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ
٢٣ - طَهَارَة العَاصِي ونجاسة الْمعْصِيَة
وَاعْلَم يَا أخي أَن العَبْد الْمُؤمن وَإِن أطَاع الشَّيْطَان بِنَفسِهِ فَهُوَ غير رَاض بِقَلْبِه وَإِنَّمَا مثله كَمثل الْوَاقِع فِي نَجَاسَة وَبَين يَدَيْهِ غَدِير مَاء طَاهِر فَيكون قلبه مَعَ
1 / 21
المَاء وَإِن كَانَت نَفسه فِي النَّجَاسَة فَيكون سَببا لطهارته كَذَلِك نفس الْمُؤمن وَإِن كَانَت فِي نَجَاسَة الْمعْصِيَة فَإِن قلبه مَعَ الله وَمَعَ محبته فَيكون ذَلِك سَببا لطهارته من الْمعْصِيَة
وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن الله تَعَالَى يُعَامل الْعباد على عقائد قُلُوبهم كَمَا قَالَ النَّبِي ﷺ (إِن الله لَا ينظر إِلَى صوركُمْ وَلَكِن ينظر إِلَى قُلُوبكُمْ) وَفِي هَذَا الحَدِيث نُكْتَة حَسَنَة وَهُوَ أَن الْمُنَافِق يذكر كلمة التَّوْحِيد بِاللِّسَانِ وَهُوَ لَا يرضاها بِالْقَلْبِ فَهُوَ لَا يُثَاب يَوْم الْقِيَامَة على إِقْرَاره بِاللِّسَانِ هَكَذَا الْمُؤمن يعْمل الْمعاصِي بالإدمان لكنه لَا يرضاها فنرجو أَن لَا يُعَاقب شعر
(إِنِّي تعوذت بالعظيم ... الأول الآخر الْقَدِيم)
(ذِي الطول وَالْفضل والمعالي ... الْمَاجِد الْوَاحِد الْكَرِيم)
(من شَرّ نَفسِي وَمن هَواهَا ... وَشر شيطانها الرَّجِيم)
أعوذ بِاللَّه من شَرّ لَا يَزُول أعوذ بِاللَّه من عَذَاب لَا يحول أعوذ بِاللَّه من مُخَالفَة الرَّسُول
٢٤ - التَّمَسُّك بِالسنةِ وَعدم مخالفتها
عباد الله عَلَيْكُم بِطَاعَة سيد الْمُرْسلين والتمسك بِسنة خَاتم النَّبِيين وبمخالفة الشَّيْطَان اللعين ينجيكم مولاكم من الْعَذَاب المهين
ويدخلكم الْجنَّة مَعَ أوليائه الْمُتَّقِينَ وتنظروا إِلَى وَجه رب الْعَالمين
وأنشدوا
(أعوذ بِاللَّه الَّذِي لم يتَّخذ ولدا ... وَقدر الرزق قبل الْخلق تَقْديرا)
(أعوذ بِاللَّه الْعلي مَكَانَهُ ... ذِي الْعَرْش لم نعلم سواهُ مجيرا)
(من حر نَار لَا تفتر من لَهب ... من حرهَا للظالمين سعيرا)
(وَكَذَا السلَاسِل وَالْعَذَاب لمن طَغى ... يدعونَ فِيهَا حسرة وثبورا)
أعوذ بِاللَّه من الْمُلُوك العاتية أعوذ بِاللَّه من الْقُلُوب القاسية أعوذ بِاللَّه من الْهَوَام العادية أعوذ بِاللَّه من اللُّصُوص الضارية أعوذ بِاللَّه من جور السلاطين أعوذ بِاللَّه من كيد الشَّيَاطِين أعوذ بِاللَّه من أَذَى الْمَسَاكِين
إِخْوَاننَا إيَّاكُمْ وَمُخَالفَة السّنة فَإِن ذَلِك يبعدكم من الْجنَّة
رُوِيَ عَن مُجَاهِد ﵁ أَنه قَالَ من ذُرِّيَّة إِبْلِيس اللعين ولد يُسمى زكبتور وَهُوَ صَاحب الْأَسْوَاق يضع فِيهَا رايته كل يَوْم
فَالله الله عباد الله لَا تبذلوا
1 / 22
مهجتكم للنيران
وَلَا ترضوا بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان فِي الْمِكْيَال وَالْمِيزَان فَإِن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى عَذَاب النيرَان
٢٥ - كَيفَ أهلك النَّبِي عفريتا
رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود ﵁ أَنه قَالَ كنت مَعَ رَسُول الله ﷺ وَجِبْرِيل ﵇ مَعَه فَجعل النَّبِي ﷺ يقْرَأ فَإِذا بعفريت قد أقبل من مَرَدَة الْجِنّ وَفِي يَده شعلة نَار وَهُوَ يقرب من النَّبِي ﷺ فَقَالَ جِبْرِيل ﵇ يَا مُحَمَّد أَلا أعلمك كَلِمَات تَقُولهَا فَينكب العفريت لوجهه وتطفأ شعلته قَالَ لَهُ قل أعوذ بِنور وَجه الله الْكَرِيم وكلماته التامات الَّتِي لَا يجاوزهن بر وَلَا فَاجر من شَرّ مَا ذَرأ فِي الأَرْض وَمَا يخرج مِنْهَا وَمَا ينزل من السَّمَاء وَمَا يعرج فِيهَا وَمن شَرّ فتن اللَّيْل وَالنَّهَار وَمن شَرّ طوارق النَّهَار إِلَّا طَارِقًا يطْرق بِخَير يَا رَحْمَن
فَقَالَهَا النَّبِي ﷺ فكب العفريت على وَجهه وطفئت شعلته
٢٦ - سُلَيْمَان وإبليس
وَذكر أَن إِبْلِيس لَعنه الله لَقِي سُلَيْمَان ﷺ فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان يَا مَلْعُون مَا أَنْت صانع بِأمة مُحَمَّد ﷺ فَقَالَ لَهُ الملعون يَا سُلَيْمَان لأدعونهم حَتَّى تكون الدُّنْيَا وَالدِّرْهَم أشهى عِنْدهم من شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
فتحفظوا رحمكم الله من هَذَا كُله فَإِنَّهَا حبائل الشَّيْطَان
٢٧ - نصائح من خطْبَة الْوَدَاع
رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ فِي خطْبَة الْوَدَاع (أَيهَا النَّاس إِنِّي لكم نَاصح أَمِين أَلا وَإِن إِبْلِيس قد يئس مِنْكُم لَا تَعْبدُونَ صنما أبدا وَلَكِن وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ ليجعلنكم إِبْلِيس لَعنه الله أَن تعبدوا ألف إِلَه يعبد الرجل إبِله وَالْآخر امْرَأَته وَالْآخر غنمه وَالْآخر حرثه وَالْآخر تِجَارَته وَالْآخر صَنعته وَالْآخر مركبه وَالْآخر صديقه يَقُول الرجل للرجل كَيفَ حالك فَيَقُول لَهُ لَوْلَا تجارتي مَا كَانَ لي حَال وَالْآخر يَقُول لَوْلَا حرثي وَالْآخر يَقُول لَوْلَا امْرَأَتي وَالْآخر يَقُول
1 / 23
لَوْلَا مركبي وَالْآخر يَقُول لَوْلَا صديقي فينسيه ذكر مَوْلَاهُ ويتبعه فِي دُنْيَاهُ ويقطعه عَن أخراه
يَا ابْن آدم مَا اغترارك بِمن إِلَيْهِ اضطرارك وَمَا احتقارك بِمن إِلَيْهِ افتقارك يَا ابْن آدم إِن كنت بِالنَّهَارِ هائما وبالليل نَائِما مَتى ترْضى من كَانَ بِأَمْرك قَائِما يَا ابْن آدم توكل على الْملك الخلاق الَّذِي يتكفل بقسمة الأرزاق توكل يَا أخي عَلَيْهِ وَأسْندَ أمورك إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يملكهَا غَيره
٢٨ - أعوان الشَّيْطَان من بني آدم
رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ إِن للشَّيْطَان أعوانا من بني آدم يَبْعَثهُم الملعون إِلَى الْمُؤمنِينَ يشغلونهم عَن الصَّلَاة وَعَن الصَّدَقَة وَعَن ذكر الله ويحبب إِلَيْهِم كسب السُّحت وَالْحرَام وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ ليعبدون الدُّنْيَا وَالدِّرْهَم أَشد من عبَادَة الْأَوْثَان أعوذ بِاللَّه من الركون إِلَى الْهوى أعوذ بِاللَّه من الضَّلَالَة والردى
أعوذ بِاللَّه من مَعْصِيّة إِلَه السما
٢٩ - آدم وَخُرُوجه من الْجنَّة
ذكر أَن عبد الله بن سهل التسترِي ﵀ قَالَ لما أخرج آدم من الْجنَّة دَار الْكَرَامَة والأمان وأنزله إِلَى دَار الذل والهوان وَالْبَلَاء والامتحان قَالَ الله تَعَالَى يَا ابْن آدم أسكنتك فِي جواري فعصيتني وأطعت الشَّيْطَان وتركتني وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأسكننك فِي جواره لتطيعني وتعصيه وتحبني وتبغضه فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَقُول لَك طَاعَة بِطَاعَة ومعصية بمحبة ثمَّ أدْخلك الْجنَّة
جَاءَ فِي بعض الْأَخْبَار أَن الله ﵎ لما خلق آدم وَولده أودع قلبه أَرْبَعَة أَشْيَاء وَهِي الْمعرفَة وَالْعقل وَالْإِيمَان وَالْيَقِين
فَصَارَ خزانَة لهَذِهِ الْأَشْيَاء وسلط على قلبه أَرْبَعَة أَعدَاء وهم إِبْلِيس والهوى وَالنَّفس وَالدُّنْيَا وَضمن إِبْلِيس لأَصْحَابه الْوُصُول إِلَيْهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابه ﴿ثمَّ لآتينهم من بَين أَيْديهم وَمن خَلفهم وَعَن أَيْمَانهم وَعَن شمائلهم﴾ الْأَعْرَاف ١٧ فَلَمَّا علم الْمولى ﷻ من ضعف ابْن آدم وَقلة مقدرته على مدافعته علمه أَرْبَعَة أَسمَاء من أَسْمَائِهِ يتحصن بهَا من إِبْلِيس وَجُنُوده وَهِي يَا أول يَا آخر يَا ظَاهر يَا بَاطِن فَكَأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى يَا ابْن آدم أَنا الأول احفظ معرفتك لي من بَين يَديك وَأَنا الآخر احفظ
1 / 24
عقلك وَأَنا الظَّاهِر احفظ إيمانك عَن يَمِينك وَأَنا الْبَاطِن احفظ يقينك عَن شمالك
٣٠ - اخْتِصَاص إِبْلِيس بِبَعْض الْجِهَات
سُئِلَ بعض الْحُكَمَاء مَا الْحِكْمَة فِي أَن لم يُعْط إِبْلِيس اثْنَان من ابْن آدم وَأعْطى أَرْبَعَة أعطي من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَعَن يمنيه وَعَن شِمَاله من الْجِهَات الْأَرْبَع لم يُعْط إِبْلِيس أَن يَأْتِيهِ من فَوق وَلَا من تَحت قَالَ لِأَن الْأَرْبَع جِهَات تدْخلهَا الْمُشَاركَة فِي الْأَعْمَال وَفَوق مَوضِع نظر الرب ﷻ إِلَى قُلُوب عباده الْمُؤمنِينَ وَتَحْت مَوضِع سُجُود الساجدين بَين يَدي رب الْعَالمين عصمنا الله وَإِيَّاكُم من فتنته عصمَة يدخلنا بهَا فِي رَحمته وَتَابَ علينا وعَلى جَمِيع المذنبين إِنَّه تواب رَحِيم وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم
1 / 25
٢ - مجْلِس فِي ذكر الْقِيَامَة وأهوالها أجارنا الله مِنْهَا
٣١ - سُورَة الزلزلة وَمَا تُشِير إِلَيْهِ
قَالَ الله ﷿ ﴿إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا﴾ الزلزلة ١ هَذِه السُّورَة مَكِّيَّة محكمَة بالوعد والوعيد يخوف الله ﵎ بهَا عباده وَيذكرهُمْ فِيهَا تزلزل الأَرْض وَقيام السَّاعَة لِيَنْتَهُوا عَمَّا نَهَاهُم عَنهُ من الْعِصْيَان ويمتثلوا مَا أَمرهم بِهِ من الطَّاعَة وَالْإِيمَان وخوفهم الله ﵎ من يَوْم الْقِيَامَة ليستعدوا لَهَا ولعظيم أهوالها
قَالَ الله ﷾ ﴿إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا﴾ يَقُول إِذا تحركت الأَرْض بِأَهْلِهَا فزلزلت من نَوَاحِيهَا وارتجت من مشرقها وَمَغْرِبهَا فَلَا تزَال كَذَلِك حَتَّى يكسر مَا على ظهرهَا من جبل وَبِنَاء فَلَا تسكن حَتَّى يدْخل فِي بَطنهَا جَمِيع مَا خرج مِنْهَا
وزلزلتها من شدَّة صَوت إسْرَافيل ﵇ وَذَلِكَ إِذا فرغت أحيان الدُّنْيَا وساعاتها وشهورها وأوقاتها وأعوامها وأيامها وحلالها وحرامها
وَذَلِكَ إِذا خمد الْحق وَظهر الْبَاطِل وَترك النَّاس الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وركبوا المآثم وَاسْتَحَلُّوا الْمَحَارِم وَكثر بَينهم التظالم وَترك الْجِهَاد وَظهر الْفساد وَفَشَا الرِّبَا وَكثر اللواط وَالزِّنَا وركبوا الْفَوَاحِش والفجور واستعانوا على ذَلِك كُله بِشرب الْخُمُور وَأمر قوم بِالْمَعْرُوفِ وتركوه ونهوا عَن الْمُنكر وفعلوه وكرهوا الْحق وَاتبعُوا أهواءهم وَقُرِئَ الْقُرْآن فَلم يعْمل بِهِ واسودت الْقُلُوب وَكَثُرت الْفَوَاحِش والعيوب وتزين الْفُسَّاق بِالْمَعَاصِي والذنُوب فَإِذا كَانُوا كَذَلِك اشْتَدَّ غضب الْجَبَّار ﷻ عَلَيْهِم فَعِنْدَ ذَلِك يَقُول الله يَا إسْرَافيل انفخ الصَّعق فينفخ إسْرَافيل عِنْد ذَلِك كَمَا أمره الْجَبَّار حل جَلَاله فتزلزل الأَرْض من مشرقها إِلَى مغْرِبهَا وَذَلِكَ من غضبة يغضبها الْجَبَّار على الْمُنَافِقين والفجار
1 / 26
٣٢ - صفة إسْرَافيل
وإسرافيل ﵇ ملك عَظِيم جنَاح لَهُ بالمشرق وَجَنَاح لَهُ بالمغرب وَرجلَاهُ تَحت تخوم الأَرْض السَّابِعَة السُّفْلى بِخَمْسِمِائَة عَام وَالسَّمَوَات السَّبع إِلَى رُكْبَتَيْهِ وعنقه ملوي تَحت الْعَرْش وَالْعرش على كَاهِله
وَقد مد الرجل الْيُمْنَى وَأخر الْيُسْرَى واللوح الْمَحْفُوظ بَين عَيْنَيْهِ وَقد الْتَقم الصُّور وشخص ببصره نَحْو الْعَرْش وأنصت بأذنيه ينْتَظر مَتى يُؤمر بالنفخ فِي الصُّور والصور قرن من نور
قَالَ النَّبِي ﷺ (الصُّور قرن من نور وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن أعظم ثارة فِيهِ كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض)
وَرُوِيَ عَنهُ ﷺ أَنه قَالَ (كَيفَ أنعم وَصَاحب الصُّور قد الْتَقم الصُّور وحنى جَبهته وشخص ببصره نَحْو الْعَرْش وأنصت بأذنيه ينْتَظر مَتى يُؤمر أَن ينْفخ فِي الصُّور فَإِذا نفخ فِيهِ مَاتَ أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَّا أَرْبَعَة أَمْلَاك فَإِنَّهُم لَا يموتون إِلَّا بعد موت الْخَلَائق وهم جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت فَمن شدَّة صَوت إسْرَافيل تتحرك الأَرْض من مشرقها إِلَى مغْرِبهَا فَلَا يبْقى بِنَاء إِلَّا انْهَدم إِلَّا الْمَسَاجِد فَإِن أساسها يبْقى لَا ينهدم لفضلها عِنْد الله ﵎ لما عبد فِيهَا ووحد وَقُرِئَ كَلَامه فِيهَا وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ﴿كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه﴾ الْقَصَص ٨٨ جَاءَ فِي التَّفْسِير أَن الْأَشْيَاء كلهَا تهْلك إِلَّا عملا يُرَاد بِهِ وَجه الله تَعَالَى والمساجد لَا تهْلك لِأَنَّهَا إِنَّمَا بنيت لوجه الله تَعَالَى
٣٣ - خشيَة النَّبِي من هبوب الرّيح
رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه كَانَ إِذا هبت الرّيح تغير لَونه وَكَانَ يخرج وَيدخل مرّة بعد أُخْرَى من شدَّة خوف قيام السَّاعَة وزلزلة الأَرْض فَإِذا كَانَ رَسُول الله ﷺ يخَاف هَذَا الْخَوْف كُله وَهُوَ أكْرم الْخلق على الله فَكيف بِمن أفنى عمره فِي السَّهْو
1 / 27
والغفلات وَقطع أَيَّامه باللهو والبطلات وضيع أوقاته فِي الْعِصْيَان حَتَّى مَاتَ وأنشدوا
(نهارك يَا مغرور سَهْو وغفلة ... وليلك نوم والردى لَك لَازم)
(وشغلك فِيمَا سَوف تكره غبه ... كَذَلِك فِي الدُّنْيَا تعيش الْبَهَائِم)
(وفعلك فعل الْجَاهِلين برَبهمْ ... وعمرك فِي النُّقْصَان بل أَنْت ظَالِم)
(فَلَا أَنْت فِي الأيقاظ يقظان حَازِم ... وَلَا أَنْت فِي النوام نَاجٍ وَسَالم)
(تسر بِمَا يقنى وتفرح بالمنى ... كَمَا سر باللذات فِي النّوم حالم)
(فَلَا تحمد الدُّنْيَا لَكِن قذمها ... وَلَا تكْثر الْعِصْيَان إِنَّك ظَالِم)
رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قَالَ (انْتَهَيْت لَيْلَة أسرِي بِي إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَرَأَيْت إسْرَافيل قد حَنى جَبهته وَقدم رجلا وَأخر أُخْرَى وَالْعرش على مَنْكِبه والصور فِي فِيهِ بَين شدقيه وَقد تهَيَّأ للنفخ فِي الصُّور فَمَا ظَنَنْت أَن أبلغ الأَرْض حَتَّى تبلغني النفخة كَمَا رَأَيْت من تهيئته للنفخ
سُئِلَ رَسُول الله ﷺ عَن إسْرَافيل فَقَالَ (لَهُ جنَاح بالمشرق وَجَنَاح لَهُ بالمغرب وَرجلَاهُ تَحت الأَرْض السَّابِعَة السُّفْلى وَالْعرش على كَاهِله وَإنَّهُ ليفكر فِي كل يَوْم ثَلَاث سَاعَات فِي عَظمَة الله تَعَالَى فيبكي من خوف الْجَبَّار حَتَّى تجْرِي دُمُوعه كالبحار فَلَو أَن بحرا من دُمُوعه أذن لَهُ أَن يسْكب لطبق بَين السَّمَوَات وَالْأَرْض وَإنَّهُ ليتواضع ويصغر حَتَّى يصير كالوضع والوضع طير صَغِير يشبه العندليب والعندليب أَصْغَر مَا يكون من الطير فَالله الله يَا معشر من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر اسْتَعدوا لقِيَام السَّاعَة وزلزالها
قَالَ الله تَعَالَى ﴿إِذا زلزلت الأَرْض زِلْزَالهَا﴾ الزلزلة ١ تتحرك الأَرْض وتتمخض وتتطاير الْجبَال وتنقلع الشّجر وتنهدم المباني فَلَا يبْقى على ظهرهَا من جبالها وشجرها ونباتها شَيْء إِلَّا دخل فِي جوفها
قَالَ عِكْرِمَة إِنَّمَا تقوم السَّاعَة على شَرّ الْخلق
٣٤ - مَتى ينْفخ فِي الصُّور
قَالَ حُذَيْفَة كَانَ النَّاس يسْأَلُون النَّبِي ﷺ عَن الْخَيْر وَكنت أَنا أسأله عَن الشَّرّ مَخَافَة أَن يُصِيبنِي فَكَانَ النَّبِي ﷺ يَقُول (فِي آخر الزَّمَان فتن كَقطع اللَّيْل المظلم
1 / 28
فَإِذا غضب الله تَعَالَى على أهل الأَرْض أَمر الله تَعَالَى إسْرَافيل أَن ينْفخ نفخة الصَّعق فينفخ على غَفلَة من النَّاس فَمن النَّاس من هُوَ فِي وَطنه وَمِنْهُم من هُوَ فِي سوقه وَمِنْهُم من هُوَ فِي حرثه وَمِنْهُم من هُوَ فِي سَفَره وَمِنْهُم من يَأْكُل فَلَا يرفع اللُّقْمَة إِلَى فِيهِ حَتَّى يخمد ويصعق
وَمِنْهُم من يحدث صَاحبه فَلَا يتم الْكَلِمَة حَتَّى يَمُوت فتموت الْخَلَائق كلهم عَن آخِرهم
وإسرافيل لَا يقطع الصَّيْحَة حَتَّى تغور عُيُون الأَرْض وأنهارها ونباتها وأشجارها وجبالها وبحارها وَيدخل الْكل بعضه فِي بعض فِي بطن الأَرْض وَالنَّاس خمود صرعى فَمنهمْ من هُوَ صريع على وَجهه وَمِنْهُم من هُوَ صريع على ظَهره وعَلى جنبه وعَلى خَدّه وَمِنْهُم من يكون اللُّقْمَة فِي فِيهِ فَيَمُوت وَمَا أدْرك أَن يبتلعها وتنقطع السلَاسِل الَّتِي فِيهَا قناديل النُّجُوم فتستوي بِالْأَرْضِ من شدَّة الزلزلة وَتَمُوت مَلَائِكَة السَّبع سموات والحجب والسرادقات والصادقون والمسبحون وَحَملَة الْعَرْش والكرسي وَأهل سرادقات الْمجد والكروبيون وَيبقى جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت ﵇
٣٥ - كَيفَ يَمُوت جِبْرِيل
يَقُول الْجَبَّار ﷻ يَا ملك الْمَوْت من بَقِي وَهُوَ أعلم فَيَقُول ملك الْمَوْت سَيِّدي ومولاي أَنْت أعلم بَقِي إسْرَافيل وَبَقِي جِبْرِيل وَبَقِي مِيكَائِيل وَبَقِي عَبدك الضَّعِيف ملك الْمَوْت خاضع ذليل قد ذهلت نَفسه لعَظيم مَا عاين من الْأَهْوَال
فَيَقُول لَهُ الْجَبَّار ﵎ انْطلق إِلَى جِبْرِيل فاقبض روحه فَينْطَلق ملك الْمَوْت إِلَى جِبْرِيل ﵇ فيجده سَاجِدا رَاكِعا فَيَقُول لَهُ مَا أغفلك عَمَّا يُرَاد بك يَا مِسْكين قد مَاتَ بَنو آدم وَأهل الدُّنْيَا وَالْأَرْض وَالطير وَالسِّبَاع والهوام وسكان السَّمَوَات وَحَملَة الْعَرْش والكرسي والسرادقات وسكان سِدْرَة الْمُنْتَهى وَقد أَمرنِي الْمولى بِقَبض روحك فَعِنْدَ ذَلِك يبكي جِبْرِيل ﵇ وَيَقُول متضرعا إِلَى الله تَعَالَى يَا الله هون عَليّ سَكَرَات الْمَوْت
فيضمه ملك الْمَوْت ضمة يقبض فِيهَا روحه فيخر جِبْرِيل مِنْهَا صَرِيعًا فَيَقُول الْجَبَّار ﷻ من بَقِي يَا ملك الْمَوْت وَهُوَ أعلم فَيَقُول مولَايَ وسيدي بَقِي مِيكَائِيل وإسرافيل وَعَبْدك الضَّعِيف ملك الْمَوْت
1 / 29