(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: كره بعض الناس لبس الثوب المصبوغ بالعصفر والزعفران والورس للرجال، وقال بعضهم لا بأس به. أما حجة من كرهه فما روى أيوب عن نافع عن ابن عمر قال ((نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس المعصفر وعن القسي: وهو نوع من الثياب، وعن القراءة في الركوع)) وروى الحسن رحمه الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((إياكم والحمرة فإن الحمرة من زينة الشيطان إن الشيطان يحب الحمرة)) وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ((رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي محلفة مترودة بالعصفر فأعرض عني فذهبت وأحرقتها ولبست غيرها، ثم رجعت فقال صلى الله عليه وسلم ما فعلت، بالملحفة؟ فقلت رأيتك أعرضت عني فذهبت فأحرقتها، فقال هلا أعطيتها لبعض نسائك، وأما حجة من أباح ذلك فما روى وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: ما رأيت ذا لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي عن بعض موالي كعب بن عجرة قال: لقيت أربعة أو خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسون المعصفر. وروى وكيع عن مالك بن مغول قال: رأيت الشعبي وعليه ملحفة حمراء.
(قال الفقيه) رحمه الله: والقول الأول أصح وهو قول أبي حنيفة وبه نأخذ ((ويحتمل أن لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قبل النهي. وأما الذي روي عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم فإنه لا يلزم لأنه لم يبين من كان من الصحابة. وقد روي عن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما النهي فيه فهو أولى بالأخذ. وأما الذي روي عن الشعبي فإنه كان يفعل ذلك فرارا من القضاء، وكان يلبس المعصفر ويلعب بالشطرنج ويخرج مع الصبيان والفتيان لرؤية الفيل.
الباب الثالث والأربعون: في جلود السباع
(قال الفقيه) رحمه الله: اختلف الناس في جلود السباع. قال أصحابنا، لا بأس بجلود السباع كلها والصلاة عليها وفيها إذا كانت مدبوغة أو ذكية ما خلا الخنزير. وكرهه بعض الناس واحتجوا بما روى أبو المليح الهذلي قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس جلود السباع وعن افتراشها. وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه رأى على رجل قلنسوة ثعلب ففتقها. وعن الحسن أنه كان يكره الصلاة في جلود الثعالب. وأما حجة أصحابنا فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((أيما إهاب دبغ فقد طهر)) وروى عوف عن ابن سيرين أنه ذكرت عنده جلود النمور فقال: ما أعلم أحدا ترك هذه الجلود تأثما منها. وروي عن مطرف بن الشخير أنه قال: دخلت على عمار بن ياسر وعنده خياط يظهر له لحاف ثعالب. وعن إبراهيم النخعي أنه كان له قلنسوة ثعالب. وأما الآثار التي جاء فيها النهي فيحتمل أن النهي ورد في الذي لم يدبغ. ويحتمل أن النهي ورد على سبيل الاستحباب لترك زينة الدنيا لا للتحريم لأنه كان بالناس شدة العيش، ألا ترى ما روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: إنما كان طعامنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسودين: التمر والماء، وما كنا نرى سمراكم هذه وإنما كان لباسنا هذه النمار: يعني الصوف، ألا ترى أنه روي في الخبر أنه نهى عن أكل الخليطين لأجل شدة الناس في العيش فكذلك أمر اللبس.
الباب الرابع والأربعون: في أكل اللحم
Page 336