(قال الفقيه) أبو الليث رحمه الله تعالى: ينبغي للرجل أن يكون في لباسه موافقا لأقرانه ولا يلبس لباسا مرتفعا جدا ولا رديئا جدا، فإنه لو فعل تلك ارتكب النهي وأوقع الناس في الغيبة. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الشهرتين في اللباس المرتفعة جدا والمنخفضة جدا. وقال الشعبي: البس من الثياب ما لا يزدريك به السفهاء ولا يعيبك به الفقهاء. وقال محمد بن سيرين: كانت الشهرة في تطويل الثياب ثم صارت الشهرة في تجويدها، واختار بعض الناس الاقتصار في اللباس واحتج بما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه خرج إلى الأسواق مع قنبر فاشترى قميصين غليظين، فخير قنبرا فأخذ قنبر أحدهما ولبس الآخر بنفسه. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه أتى بقميص فأمر بقطع ما فضل عن كميه. وروي عن بعض التابعين أنه قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يخطب وعليه قميص فيه سبع رقاع. وروي عنه أنه قال: اخشوشنوا واخلولقوا وتمعددوا واجعلوا الرأس رأسين: يعني البسوا الخشن والخلق وتشبهوا بمعد اجعلوا مكان العبد عبدين. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه اشترى قميصا وقطع ما وراء الأصابع من الكمين ثم قال لخادمه حصه: أي خطه، ويستحب البيض من الثياب. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خلق الله الجنة بيضاء وخير ثيابكم البيض تلبسونه في حياتكم وتكفنون به موتاكم)) وروي عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البسوا من ثيابكم البيض وكفنوا فيها موتاكم فإنها خير ثيابكم)) وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: كل ما شئت والبس ما شئت من الحلال إذا ما أخطأ بك اثنتان: سرف ومخيلة فإني ما رأيت في موضع إسرافا إلا رأيت بجنبه حقا مضيعا.
الباب الثامن والثلاثون: في الجمال
(قال الفقيه) رحمه الله: يستحب للرجل إذا كان ذا مروءة وكان ذا علم أن تكون ثيابه عليه نقية من غير كبر. وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: من حسب المرء نقاء ثوبه. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما على الرجل أن يتخذ ثوبين سوى ثوبي مهنته)) ويقال في المثل: لا جديد لمن لا خلق له. وعن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((ما طابت رائحة عبد قط إلا قل غمه ولا نظفت ثيابه قط إلا قل همه)) وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: إني لأحب أن أنظر إلى القارئ أبيض الثياب. وقال أيضا: إذا وسع الله عليكم فوسعوا على أنفسكم. وروي عن عامر بن سعد عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: ((أن الله نظيف يحب النظافة، وجميل يحب الجمال، وجواد يحب الجود، وكريم يحب الكرم، وطيب يحب الطيب)) وروى زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال ((كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جالسا فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بيده أن اخرج وأصلح رأسك ولحيتك، ففعل ثم رجع فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : أليس هذا خيرا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس واللحية كأنه شيطان)) وروى زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال خرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في غزوة أنمار فبينما أنا نازل تحت شجرة إذ مر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقلت يا رسول الله هلم إلى الظل؟ فنزل، فقمت إلى غرارة لنا فوجدت فيها خبزا وجردقا وقثاء فكسرته ثم قربته إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وعندنا صاحب لنا قد ذهب يرعى ظهرا، فرجع وعليه ثوبان له قد خلقا، فنظر إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال لي أما له ثوبان غير هذين؟ فقلت بلى له ثوبان في العيبة، فقال هلا كسوته إياهما، فدعوته فلبسهما ثم ولى فذهب فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : ما له ضرب الله عنقه أليس هذا خيرا، فسمعه الرجل فقال يا رسول الله قل في سبيل الله، قال في سبيل الله فقتل الرجل في سبيل الله)) قال الشاعر:
Page 333