الباب الثالث والثلاثون: في التسليم
(قال الفقيه) رحمه الله تعالى: فإذا مررت على قوم فسلم عليهم فإذا سلمت عليهم فقد وجب عليهم رد السلام، ثم اختلفوا في الأفضل؟ قال بعضهم: أجر الرد أفضل لأن الرد فريضة والتسليم سنة فأجر الفرض أكثر من أجر السنة، وإنما قيل إن الرد فريضة لأن الله تعالى قال {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} فأمر برد السلام والأمر من الله تعالى فرض. وقال بعضهم: أجر السلام أكثر وأفضل لأنه سابق والسابق له فضل السبق. وروى الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحرث قال: إذا سلم الرجل على القوم كان له فضل درجة فإن لم يردوا عليه ردت عليه الملائكة ولعنتهم. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((ألا أدلكم على أمر إذا أنتم فعلتموه تحاببتم؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال أفشوا السلام بينكم)) وقال عطاء: يسلم الماشي على القاعد والصغير على الكبير والراكب على الماشي، ويسلم الذي يأتيك من خلفك، وإذا التقى الرجلان ابتدأ بالسلام. وقال الحسن في قوم يستقبلون قوما يبدأ الأقل بالأكثر. وروى زيد بن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير)).
(قال الفقيه) رحمه الله: إذا دخل جماعة على قوم فإن تركوا السلام فكلهم آثمون في ذلك وإن سلم واحد منهم أجزأ عنهم جميعا وإن سلموا كلهم فهو أفضل، وإن تركوا الجواب فكلهم آثمون وإن رد واحد منهم أجزأ عنهم وإن أجابوا كلهم فهو أفضل. وقال بعضهم: يجب الرد عليهم جميعا، وهذا القول أصح. وروي عن أبي يوسف أن الرد فريضة وقد وجب الرد عليهم جميعا، وقال بعضهم: يجوز إذا رد الواحد عنهم جميعا وبه نأخذ. وروى الأعمش عن زيد بن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مر قوم بقوم فسلم عليهم واحد منهم أجزأ عنهم وإذا رد واحد منهم أجزأ عنهم)) وينبغي للمجيب إذا رد السلام أن يسمع جوابه لأنه إذا أجاب بجواب لم يسمعه المسلم لم يكن ذلك جوابا، ألا ترى أن المسلم إذا سلم بسلام ولم يسمع منه لم يكن ذلك سلاما فكذلك إذا أجاب بجواب ولم يسمع منه فليس بجواب. وروى معاوية بن قرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سلمتم فأسمعوا وإذا رددتم فأسمعوا وإذا قعدتم فاقعدوا بالأمانة، ولا يرفعن بعضكم حديث بعض)) يعني به النميمة. وينبغي للرجل إذا سلم على واحد أن يسلم بلفظ الجماعة، وكذلك في الجواب لأن المسلم عليه لا يكون وحده. وروى الأعمش عن إبراهيم النخعي أنه قال: إذا سلمت على الواحد فقل السلام عليكم فإن معه الملائكة. وروى أبو مسعود الأنصاري ((أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت عليك السلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا السلام على الموتى ولكن قولي السلام عليكم)).
Page 330