(قال الفقيه) أبو الليث رحمه الله: روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)) وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن قوله تعالى {وفاكهة وأبا} قال لا أدري، فقيل له قل من ذات نفسك؟ قال أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله تعالى برأيي ولا أعلم. وروي عن الشعبي أنه كان يمر بأبي صالح فيأخذ بأذنه، فيقول إنك لم تقرأ القرآن فكيف تفسره. وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه رأى في يد رجل مصحفا وقد كتب عند كل آية تفسيرها، فدعا بمقراض فقرضه. وعن الحكم قال: كان شريح لا يفسر من القرآن إلا ثلاثة آيات. إحداها {إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} قال: الذي بيده عقدة النكاح الزوج. والثانية {وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب} قال: الحكمة الفقه، وفصل الخطاب البينة والإيمان. والثالثة {إن خير من استأجرت القوي الأمين} قال: كان من قوته أنه حمل صخرة لا يقوى على حملها إلا عشرة، وأمانته أنها مشت أمامه فوصفتها الريح له، فقال لها تأخري وصفي لي الطريق. وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسر القرآن إلا آيات يقرؤهن علمهن إياه جبرائيل. فإن قيل إذا لم يفسره النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لغيره أن يفسره برأيه فكيف الوصول إلى معرفة تفسيره؟ قيل له النهي إنما انصرف إلى المتشابه منه لا إلى جميعه كما قال الله تعالى {فأما الذين في قلوبهم زيع فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة} لأن القرآن إنما نزل حجة على الخلق فلو لم يجز التفسير لا يكون حجة بالغة. فإذا كان كذلك جاز لمن عرف لغات العرب وعرف شأن النزول أن يفسره وأما من كان من المتكلفين ولم يعرف وجوه اللغة فلا يجوز له أن يفسره إلا مقدار ما سمع فيكون ذلك على وجه الحكاية لا على سبيل التفسير فلا بأس به، ولو أنه تعلم تفسيره وأراد أن يستخرج من الآية حكما أو استدلالا بشيء من الأحكام فلا بأس به ، ولو أنه قال المراد من الآية كذا وكذا من غير أن يسمع فيه شيئا فلا يحل له هذا، وهذا الذي نهى عنه. ولو أنه سمع شيئا من بعض الأئمة فلا بأس بأن يحكي عنه. وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان إذا أشكل عليه شيء من التفسير سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين من أهل الكتاب الذين قرأوا الكتب مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وغيرهما. وروي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: عرفت تفسير جميع القرآن إلا أربعة: الأواه، والرقيم، وحنانا، وغسلين. وروى غير عكرمة عن ابن عباس أنه فسر هذه الأحرف أيضا الرقيم الكتاب. قال الخليل: الرقم تعجيم الكتاب كتاب مرقوم: أي تبين حروفه بعلاماتها من النقط. والحنان: الرحمة. قال الله تعالى {وحنانا من لدنا} أي رحمة. والغسلين: ما ينغسل من أبدان الكفار في النار.
الباب الحادي والثلاثون: في حسن المعاشرة ومعرفة الحقوق
(قال الفقيه) رحمه الله: ينبغي للرجل أن يكون قوله للناس لينا ووجهه مستبشرا منبسطا مع البر والفاجر والسني والمبتدع من غير مداهنة ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضى بسيرته ومذهبه لأن الله تعالى قال لموسى وهرون عليهما الصلاة والسلام {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} وأنت لست بأفضل من موسى وهرون والفاجر ليس بأخبث من فرعون. وقد أمرهما الله تعالى بلين القول من فرعون. وروى إبراهيم عن حمزة العامري عن طلحة بن عمير قال: قلت لعطاء إنك رجل تجتمع عندك أناس ذوو أهواء مختلفة، وأنا رجل في حدة أقول لهم بعض القول الغليظ، فقال لا تفعل إذ يقول الله تعالى {وقولوا للناس حسنا} فيدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنكم إن لم تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق)) وقال عمر رضي الله تعالى عنه: من أحب أن يصفو له ود أخيه فليدعه بأحب أسمائه إليه، ويسلم عليه إذا لقيه، ويوسع له في المجلس. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه قال لعائشة رضي الله تعالى عنها لا تكوني فحاشة فإن الفحش لو كان رجلا لكان رجل سوء)) ويقال الإحسان قبل الإحسان فضل، والإحسان بعد الإحسان مجازاة، والإحسان بعد الإساءة كرم، والإساءة قبل الإساءة جور، والإساءة بعد الإساءة مكافأة، والإساءة بعد الإحسان لؤم وشؤم.
Page 328