(قال الفقيه) أبو الليث رحمه الله تعالى: روى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((اقرأني جبريل عليه السلام على حرف واحد فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف)) وفي خبر آخر ((أمرني جبريل أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف)) وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن هذا القرآن نزل بسبعة أحرف لكل حرف ظهر وبطن. فإن قيل ما معنى قوله سبعة أحرف؟ قيل قد قالوا فيه أقاويل مختلفة. قال بعضهم: إنما يوجد ذلك في بعض الآيات مثل قوله {أف لكما} فيقرأ ذلك على سبعة أحرف بالرفع والنصب والخفض، وكل وجه منه بالتنوين وغير التنوين فذلك ستة أوجه، وبالجزم أيضا يقرأ فذلك سبعة أوجه، ومثل قوله {تساقط عليك رطبا جنيا} ومثل قوله تعالى {بعذاب بئيس} ونحوها من الآيات التي تحتمل في القراءة سبعة أوجه لا يوجد ذلك في عامة الآيات. وقال بعضهم: سبعة أحرف يعني به الأمر والنهي والقصص والأمثال والمواعظ والوعد والوعيد، فهذه سبعة أحرف. وقال أبو عبيدة: سبعة أحرف يعني سبع لغات من لغات العرب، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه فهذا لم يسمع به قط، ولكن هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن فبعضها بلغة قريش وبعضها بلغة هوازن وبعضها بلغة هذيل وبعضها بلغة اليمن. وقال بعضهم سبعة أحرف إنما هي سبع قراءات التي اختارها سبعة من الأئمة أحدهم عاصم بن أبي النجود واسم أمه بهدلة ويقال له عاصم بن بهدلة. والثاني حمزة بن حبيب الزيات. والثالث الكسائي، فهؤلاء الثلاثة كانوا من قراء أهل الكوفة. والرابع عبد الله بن كثير وهو إمام أهل مكة والخامس نافع بن عبد الرحمن مولى معاوية، وهو إمام أهل المدينة. والسادس أبو عمرو، وكان اسمه ريان، وكنيته أبو عمرو بن العلاء، وهو إمام أهل البصرة والسابع عبد الله بن عامر، وهو إمام أهل الشام. فاختار كل واحد من هؤلاء السبعة قراءة قد صحت عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(قال الفقيه) رحمه الله: اختلف الناس في الآية التي قرئت بقراءتين. قال بعضهم: بأن الله تعالى قال بقراءة واحدة إلا أنه قد أذن بأن يقرأ بقراءتين. وقال بعضهم: إن الله تعالى قال بهما جميعا، والذي صح عندنا والله أعلم أنه لو كان لكل قراءة تفسير بخلاف تفسير القراءة الأخرى فقد قال بهما جميعا فصارت القراءتان بمنزلة آيتين مثل قوله تعالى {ولا تقربوهن حتى يطهرن} و{حتى يتطهرن} وكذلك كل ما كان نحو هذا. وأما إذا كانت القراءتان تفسيرهما واحد مثل البيوت والبيوت، ومثل المحصنات والمحصنات بالفتح والكسر فإنما قال بأحدهما وأجاز القراءة بهما لكل قبيلة على ما تعود به لسانهم، فإذا قيل إذا صح أنه قال بإحدى القراءتين فبأي القراءتين قال؟ قيل له إنما قال بلغة قريش لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان من قريش والقرآن نزل بلغتهم، ألا ترى إلى ما روى وكيع عن سفيان عن مجاهد قال: نزل القرآن بلغة قريش.
الباب الثلاثون: في الكلام في تفسير القرآن
Page 327