(قال الفقيه) أبو الليث رحمه الله: اعلم أن لسان العربية له فضل على سائر الألسنة فمن تعلمها أو علم غيره فهو مأجور لأن الله تعالى أنزل القرآن بلغة العرب، فمن تعلمها فإنه يفهم بها ظاهر القرآن ومعاني الأخبار. وقد روى ابن بريدة عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال : من تعلم الفارسية فقد خب ومن خب ذهبت مروءته. وقال الزهري: كلام أهل الجنة العربية وأهل النار الهندية. وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: عليكم بالتفهم في العربية. وروي عن الحسن البصري أنه سئل عن الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حسن المنطق ويفهم بها قراءته؟ قال الحسن: فليتعلمها فإن الرجل ليقرأ الآية فيصرف من وجهها فيهلك. وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه سمع رجلين في الطواف يتراطبان، فقال لهما التمسا إلى العربية سبيلا. وقال الفقيه رحمه الله تعالى: ولو تكلم بغير العربية فإنه يجوز لا إثم عليه في ذلك. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تكلم بالفارسية وهو ما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أنه قال ((اتخذت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق طعاما. فأتيته فأخبرته فقال لأصحابه اذهبوا إلى بيت جابر فإنه اتخذ لكم شوربا)) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه أتى بتمر الصدقة وعنده الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما، فأخذ أحدهما تمرة وأدخلها في فيه، فأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعه في فيه وقال كخ كخ، وأخرج التمرة من فيه)) وروي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال له ((رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتكى بطنه يا أبا هريرة أشكم دود؟ قال نعم، فأمره بالصلاة)) وعن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه هكذا. وقال هو الأصح. وقال سفيان: بلغنا أن الناس يتكلمون يوم القيامة قبل أن يدخلوا الجنة بالسريانية فإذا دخلوا الجنة تكلموا بالعربية. وروى عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه قال ما من لغة إلا وفي القرآن منها شيء فقيل له وأين ذلك؟ فقال فيه من الفارسية سجيل: يعني سنك كل، ويقال فيه اتفاق بين اللغتين، وقيل {يا أرض ابلعي ماءك} بلغة الحبشية، وقوله {فرصهن إليك} يعني قطعهن بالرومية، وقوله {ولات حين مناص} يعني ليس حين فرار بالسريانية. وروي عن أبي موسى أنه قال {كفلين} يعني ضعفين بالحبشية، وقال بعضهم: لا يجوز أن يكون في القرآن شيء سوى العربية لأن الله تعالى قال {بلسان عربي مبين} وقال تعالى {إنا جعلناه قرآنا عربيا} والجواب عن هذا من وجهين. أحدهما: أن هذه الألفاظ التي ذكرناها من الحبشية والرومية كما ذكرنا إلا أن العرب كانت تستعملها ويعرفونها فيما بينهم فلما استعملها العرب صارت بمنزلة العربية. وجواب آخر قوله تعالى {بلسان عربي مبين} فالقرآن عربي وإن كان بعض الحروف من غيره. فإن قيل كيف يكون القرآن حجة عليهم إذا كان بلغة غيرهم؟ قيل لأنهم كانوا يفهمونها فيما بينهم وإن كان بعض الحروف من غير لغتهم فيكون حجة عليهم.
الباب التاسع والعشرون: في نزول القرآن على سبعة أحرف
Page 326