(قال الفقيه) أبو الليث رحمه الله: لا ينبغي للقارئ أن يترك حظه من قراءة القرآن في بعض الأوقات فكلما كان أكثر فهو أفضل. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((أفضل الناس الحال المرتحل قيل وما الحال المرتحل؟ قال الخاتم المفتتح صاحب القرآن يضرب من أوله إلى آخره كلما حل ارتحل وينبغي للقارئ أن يختم القرآن في السنة مرتين إن لم يقدر على الزيادة)) وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: من قرأ القرآن في السنة مرتين فقد أدى حقه لأن النبي صلى الله عليه وسلم عرضه على جبريل في السنة التي توفي فيها مرتين. وروي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الإنسان من المسجد فلم أر خيرا أعظم من قراءة القرآن، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من آية أو سورة أوتيها الرجل فنسيها)) وروى أبو عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه غيره)) وقال أبو عبد الرحمن: فذلك الذي أقعدني هذا المقعد: يعني به جلوسه لتعليم الناس وكان معلم الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما: قال ذو النون: دخلت مسجدا فرأيت رجلا يقرأ {وسقاهم ربهم شرابا طهورا} يرددها ويمص فاه كأنه يشرب شيئا، فقلت له يا هذا أتشرب أم تقرأ؟ فقال لي يا بطال إني لأجد من قراءته لذة وحلاوة مثل ما أجد لشرب ما قرأته. وفي الخبر إن لإسرافيل عليه الصلاة والسلام نغمة طيبة فهو إذا أراد قراءة القرآن قطع صلاة الملائكة لاستماعهم إليه، وكان داود عليه الصلاة والسلام حسن الصوت أعطي من حسن الصوت ما لو تلا الزبور جمد الماء واحتبس الطير في الهواء والبهائم والوحوش في الأرض وتخللت السباع بين الأغنام، فلما ظهرت منه تلك الزلة سلبت الحلاوة من نغمته، فقال يا رب ما فعلت بنغمتي؟ فأوحى الله عز وجل إليه أطعتنا فأطعناك وعصيتنا فأمهلناك ولو كنت غدوت كما كنت قبلناك قال: فإذا كان يوم القيامة أمر إسرافيل عليه السلام بالقراءة، وأمر داود عليه الصلاة والسلام بالقراءة فيقول يا رب نغمتي؟ فيقال: ترد عليك نغمتك فترد عليه فيرفع الحور أصواتهن من الغرف فترفع أصوات لم يسمع الخلائق مثلها، فيقول الله عز وجل هل سمعتم نغمات طيبة؟ فيرفع الحجاب فيقول لهم ربهم سلام عليكم وذلك قوله تعالى {تحيتهم يوم يلقونه سلام}.
(قال الفقيه) رحمه الله: التعليم على ثلاثة أوجه: أحدها أن يعلم للحسبة ولا يأخذ له عوضا، والثاني أن يعلم بالأجرة، والثالث أن يعلم بغير شرط فإذا أهدي إليه قبل. فأما إذا علم للحسبة فهو مأجور فيه وعمله عمل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأما إذا علم بالأجرة فقد اختلف الناس فيه، قال أصحابنا المتقدمون: لا يجوز له أخذ الأجرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بلغوا عني ولو آية)) فأوجب على أمته التبليغ كما أوجب الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم التبليغ، فكما لم يجز للنبي صلى الله عليه وسلم أخذ الأجرة فكذلك لا يجوز لأمته، وقال جماعة من العلماء المتأخرين: إنه يجوز، مثل عصام بن يوسف ونصير بن يحيى وأبي نصر بن سلام وغيرهم، فالأفضل للمتعلم أن يشارط على الأجرة للحفظ وتعليم الهجاء والكتابة فلو شارط لتعليم القرآن أرجو أن لا بأس به لأن المسلمين قد توارثوا ذلك واحتاجوا إليه والوجه الثالث: أنه إن علم بغير شرط وأهدي إليه به قبل الهدية فإنه يجوز في قولهم جميعا لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان معلما وكان يقبل الهدية . وروى أبو المتوكل الباجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه ((أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في غزوة فمروا بحي من أحياء العرب فقال هل فيكم من راق فإن سيد الحي قد لدغ؟ فرقاه رجل بفاتحة الكتاب فبرئ فأعطي قطيعا من الغنم فأبى أن يأخذ، فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بم رقيته؟ قال بفاتحة الكتاب، قال فما يدريك أنها رقية خذها واضربوا لي معكم فيها بسهم)) يعني إن أخذه مباح، وكره بعض الناس النقط والتعشير في المصاحف، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وحجته ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: جردوا القرآن ولا تكتبوا فيه شيئا مع كلام الله تعالى ولا تعشروه وزينوه بأحسن الأصوات واعربوه فإنه عربي، ولكن نقول النقط والتعشير لو فعل فلا بأس لأن المسلمين توارثوا ذلك فاحتاجوا إليه وخاصة للعجم لا بد من النقط والعلامات لأنهم متكلفون روي أنه قال: القرآن ماحل مصدق وشافع مشفع. والماحل الساعي.
Page 317