فأما المحمود، فهو الذي يقصد به الحق، ويستعمل فيه الصدق، وأما المذموم، فما أريد به المماراة والغلبة، وطلب به الرياء والسمعة، وقد جاء في القرآن والخبر مدح ما ذكرنا أنه محمود، وذم ما ذكرنا أنه مذموم، وقد أثر فيه قول الحكماء، وألفاظ الشعراء، فقال الله - عز وجل - {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} وقال: {يوم تاتي كل نفس تجادل عن نفسها}، وقال إبراهيم - عليه السلام -: (وحاجه قومه، قال: {قال أتحاجوني في الله وقد هدان} وقال: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} وبذلك تعبد أنبياءه وصالحي عباده، فقال [عز وجل]: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} وقد أجمعت العلماء وذوو العقول من القدماء على تعظيم من أفصح عن حجته، وبين عن حقه، واستنقاص من عجز عن إيضاح حقه، وقصر عن القيام بحجته؛ ووصف الله - عز وجل - قريشا بالبلاغة في الحجة، واللدد في الخصومة، فقال: {وتنذر به قوما لدا} وقال: {فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة # على الخير} وقال: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام} وقال: {وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة}. وذم من لا يقيم حجة، ولا يبين عن حقه في خصومة، وشبههم بالولدان والنسوان، فقال: {أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين}.
وقال الشاعر:
(وإن امرأ يعيا بتبيين حقه ... إذا اعتركت عند الخصام القراح)
(لآبائه إن كان في بيت قومه ... وللحسب المأثور عنهم لفاضح)
وأما ما جاء في ذم التعنت والمراء، وطلب السمعة والرياء، وقصد الباطل، وركوب الهوى، فقول الله - عز وجل -: {هاأنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا} وقوله: {والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد}.
ووصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صديقا كان له في الجاهلية فقال: كان لا يشاري ولا يماري"، وقال: "من سمع سمع الله به"
Page 178