أنبيائهم وأخذ كل من الأمم بذنبه مفصلا، وذكر ابتداء الخلق في قصة آدم ﵇، وحال الملائكة في التسليم والإذعان، وذكر فريقا الجن من مؤمن وكافر، وأمر الآخرة وانتهاء حال الخلائق واستقرارهم الأخروي، وتكرر دعاء الخلق إلى الله تعالى طمعا فيه ورحمة، وإعلام الخلق بما هو عليه سبحانه، وما يجب له من الصفات العلا، والأسماء الحسنى، ونبه العباد على الاعتبار وعلموا طرق الاستدلال ورغبوا ورهبوا وأنذروا وأعلموا بافتقار المخلوقات بجملتها إليه سبحانه كما هو المنفرد بخلقهم إلى ما تخلل ذلك مما يعجز الخلائق عن حصره والإحاطة به، والله يقول الحق.
فلما تقدم هذا كله في السبع الطوال وما تلاها، أعقب ذلك بقوله:
" كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ"
ثم أتبع هذا بالايماء إلى فصول ثلاثة عليها مدار آى الكتاب، وهي فصل الإلهية وفصل الرسالة وفصل التكاليف.
أما الأول فأشار إليه قوله: "أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ"
وأما فصل الرسالة فأشار إليه سبحانه: "إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ"
وأما فصل التكاليف فأشار إليه قوله سبحانه: "وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ"
وهذه الفصول الثلاثة هي التي تدور عليها آى القران، وعليها مدار السورة الكريمة.
فلما حصل استيفاء ذلك كله فيما تقدم ولم يبق وجه شبهة للمعاند
ولا تعلق للجاحد، واتضح الحق وبان، قال ﷾: "وجاءك في هذه الحق "
إشارة إلى كمال المقصود، وبيان المطلوب واستيفاء التعريف
بوضوح الطريق، وقد وضح من هذا تلاؤم هذه السورة الكريمة لما تقدمها، ومما
1 / 226