ومن وجه آخر: وهو أنهم وافقوا الوليد بن المغيرة في قوله: {إن هذا إلا قول البشر}، ولهم من الجزاء ما وعد به الوليد بقوله تعالى: {سأصليه سقر} فهم رفقته في سقر كما وافقوه في زعمه {إن هذا إلا قول البشر}.
ويرد عليهم من الجواب ما أجاب الله تعالى به المشركين بقوله سبحانه: {أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون. فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين}.
وقوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله}.
وسائر الآيات الدالة على الرد على قائل هذه المقالة، وتصير مناظرتهم مع رب العالمين، وخصمهم أحكم الحاكمين وأصدق الصادقين، وقدوتهم ومشايخهم رءوس المشركين الذين قالوا فيما قال الله عنهم: {إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا. وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا}.
فنحن نكتفي برد الله تعالى عليهم وما تحتاج إلى شيء سواه، ففي الله تعالى كفاية.
ومتى رضوا لأنفسهم بهذا المقام، انقطع معهم الكلام، وزال الحجاج والخصام.
الثاني: أن الله تعالى أنزل على عبده الكتاب، وشهد الله وملائكته بإنزاله {والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق}.
وعلى قول هؤلاء: {ما أنزل الله على بشر من شيء}، وردوا شهادة الله وملائكته، وكذبوا قوله تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
وإن قالوا: هذا قولنا رد عليهم كما ذكرنا، ويزيد أنهم كذبوا الله تعالى في قوله: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}.
Page 155