Bunat Islam
بناة الإسلام: محمد وخلفاؤه
Genres
الباب الثالث عشر
العودة إلى الوطن
قضيت اليوم الأخير من مكثي في المدينة المنورة في «الروضة الشريفة» أصلي وأتعبد، ولكني كنت في الوقت عينه أشعر بالحزن متغلغلا في جوانحي، مستوليا على نفسي؛ لأني كنت سأغادر أطهر بقعة شريفة على وجه الأرض.
وكيف لا أحزن على مفارقة بلاد خصها الخالق جل شأنه بالطهر والأمن والسلام، كما جعلها قبلة لقاصدي وجهه الكريم، طالبي التوبة والمغفرة، الراجين في التطهر من الأرجاس والذنوب والمعاصي والمنكرات.
أجل، كيف لا أحزن على مغادرة بلاد ميزها المولى تعالى على سائر الأقطار والأمصار، بأنها تحوي أحب البقاع المطهرة إليه عز وجل؛ فبها نزل «آدم»، و«حواء» عليهما السلام والدا البشر، وفيها نشأ «إبراهيم» عليه السلام والد الذبيح «إسماعيل»، وفيها نشأ سيد الخلائق الأولين والآخرين أجمعين محمد
صلى الله عليه وسلم
وفيها نبت خير الأديان، دين الله الحق، دين الإسلام، وفيها نزل «جبريل» بالوحي، وفيها نزلت الملائكة تقاتل جنبا إلى جنب مع المؤمنين.
لم تكن قدماي لتطاوعاني على الخروج من «الروضة النبوية» الشريفة، فكنت كلما تقدمت خطوة تراجعت خطوات، كما كانت الدموع تنهمر من مآقي مدرارا، وفاض الأسى على قلبي حتى لقد شعرت بأني على وشك النحيب.
يا لها من ساعة! تلك التي كنت مضطرا فيها إلى الرحيل! شعرت في خلالها بأشد ما انتابني من الآلام مما لم أصادفه قط في حياتي إلا في العام الأسبق، وفي الحالة نفسها، أي: في الوقت الذي غادرت فيه «الروضة الشريفة» في حجتي الأولى.
غادرت «الروضة النبوية» الشريفة وأنا أردد الآية الحكيمة:
Unknown page