حديث الخليل
قال الخليل: جلس الثوريّ إلى حلقة المصلحين في المسجد، فسمع رجلا من مياسيرهم يقول: بّطنوا كل شيء لكم فإنه أبقى. ولأمر جعل الله دار الآخرة باقية، ودار الدنيا فانية. ثم قال: ربما رأيت المبطّنة «١» الواحدة تقطع أربعة أقمصة، والعمامة الواحدة تقطع أربعة أزر «٢» . ليس ذلك إلا لتعاون الطي، وترافد «٣» الأثناء. فبطنوا البواريّ «٤»، وبطنوا الحصر، وبطنوا البسط، وبطنوا الغداء بشربة باردة.
قال: فقال له الثوريّ: لم أفهم مما قلت إلا هذا الحرف وحده.
قال الخليل: حمّ الثوري، وحمّ عياله وخادمه، فلم يقدروا مع شدة الحمى على أكل الخبز، فربح كيلة تلك الأيام من الدقيق، ففرح بذلك وقال: لو كان منزلي سوق الأهواز أو نطاة خيبر «٥» أو وادي الجحفة «٦»، لرجوت أن استفضل كل سنة مائة دينار. فكان لا يبالي أن يحمّ هو وأهله أبدا، بعد أن يستفضل كفايتهم من الدقيق.
وكان يقول: إذا رأيت الرجل يشتري الجدي رحمته، فإن رأيته يشتري الدجاج حقرته، فإن رأيته يشتري الدرّاج «٧» لم أبايعه «٨» ولم أكلّمه.