العامرية، قديم الرياسة، موصوفًا بالدهاء والعقل، لم يدخل في أمور الفتن قبل ذلك وكان يتصاون عنها، فلما خلا له الجو وأمكنته الفرصة، وثب عليها فتولى أمرها واستضلع بحمايتها، ولم ينتقل إلى رتبة الإمارة ظاهرًا بل دبرها تدبيرًا لم يسبق إليه.
وجعل نفسه ممسكًا للموضع إلى أن يجيء مستحق يتفق عليه فيسلم إليه.
ورتب البوابين والحشم على تلك القصور على ما كانت عليه أيام الدولة ولم يتحول عن داره إليها، وجعل ما يرتفع من الأموال السلطانية بأيدي رجال رتبهم لذلك [وهو المشرف عليهم وصير أهل الأسواق جندًا له وجعل أرزاقهم] رؤوس أموال تكون بأيديهم محصلة عليهم يأخذون ربحها فقط، ورؤوس الأموال باقية محفوظة يؤخذون بها، ويراعون في الوقت بعد الوقت كما حفظهم لها، وفرق السلاح عليهم، وأمرهم بتفرقته في الدكاكين وفي البيوت.
حتى إذا دهم أمر في ليل أو نهار كان سلاح كل واحد معه، وكان يشهد الجنائز ويعود المرضى جاريًا في طريقة الصالحين، وهو مع ذلك يدبر الأمر تدبير السلاطين المتغلبين.
وكان مأمونًا، وقرطبة في أيامه حرمًا يأمن [فيه] كل خائف من غيره إلى أن مات في صفر سنة خمس وثلاثين وأربعمائة.
وتولى أمرها بعده ابنه أبو الوليد محمد بن جهور على هذا التدبير إلى أن مات فغلب عليها بعد أمور جرت هنالك الأمير الملقب بالمأمون صاحب طليطلة ودبرها مدة يسيرة ومات فيها.
ثم غلب عليها صاحب إشبيلية الأمير الظافر بن عباد [فهي الآن بيده على ما بلغنا] .
1 / 35