والقطف، وذلك عدا ما يقتضيه الوقود»، ويرسل إلى زوجه حسابا دقيقا كما يأتي: «زيت ب 8,8 من التاليرات، وسكر وتوابل وملح ب 9,2 من التاليرات».
ويحسب كلفة خدمه فيقول إنها دون التقدير، وفي هذا يقول: «إن قسما من نفقات تكلفتهم يستتر تحت جعائل
14
البستانية ما داموا يستنفدون محاصيل من البستان.» ويرسل إليها من برلين اثنين وعشرين رطل شاي مع قوله لها: «يجب عليك أن تضيفي نفقات العربة إذا ما رغبت في التنزل عن شيء منه.» ومن بواعث سعادته أن يوفر شيئا من راتب نيابته.
وهو إذا ما جاء إلى البيت انتحل وضع الطالب في العطل، «فأقضي حياة كسل هائل، فأقضي وقتي في التدخين والمطالعة والنزه وملاعبة الأولاد، وفي الاطلاع على السياسة من قراءة جريدة كروززايتنغ. ولي كبير متعة من هذه العزلة الرعائية الشعرية، وأستلقي على الكلأ وأقرأ قصائد وأستمع إلى الموسيقى، وأنتظر نضج الكرز»، ويسلك سلوك الحضري، ويبدو صاحبا لسر الرجل الذي يعمل بعقله كأنه لم يعش عشر سنين في سواء الريف!
وهو إذا ما جاء إلى البيت وحده لاحت له الأيام الثلاثة الأولى وحدها رائعة كأنه كان ينتظرها حين شد العدة عليه، وهنالك الدرواس
15
أودين الذي لم تتركه أصوله وفروعه قط، وهو يأسف على أن زوجه لم تبصر الذرة التركية «ذات السوق التي يبلغ طول الواحدة منها ثلاث أقدام، فلا أقدر على بلوغها بيدي»، وهو يسر من نمو الأشجار الجديدة في الحقل الحديث، وإذا ما انقضت بضعة أيام بدا الاختلاف وبدأ السأم؛ لوجود حنة عند والديها ولوجوب مراقبته الأسداد، ويصبح لزاما عليه أن يسرح الطاهية مع معارضة حنة لذلك؛ وذلك لقذارتها وإرسالها للغسل - مع ذلك - مقدارا من الثياب لا يصدقه العقل، «ووسخ المطبخ أمر واقع، وهي رعناء فضلا عن ذلك، فهي تحرق شماعد، ومن المحتمل أن تكون هذه الشماعد لنا ما دمت لا أعرف مكان حفظها ولا عدد ما كان منها»، ولسرعان ما يزول كل شعور بالراحة والرضا، فيشعر بالبؤس لأنه وحده؛ فالحق أن بسمارك يحتاج إلى زوجه ما دام عاطلا من العمل المنتج، وهكذا يكتب إليها في ثلاثة أسابيع من أكتوبر مجلدا من الرسائل، وهناك يتجلى سابق لهجته، فيسمع من بعيد صوت الخوف من أن يحكم عليه، ذات يوم بالعزلة وبحياة فاترة.
وقد بلغت من السأم ما لا أكاد أطيق البقاء معه هنا، وتحدثني نفسي باعتزال خدمة الحكومة وبترك شئون الأسداد وبالذهاب إلى رينفيلد. فاكتبي إلي كتبا كثيرة إذن، ولو كانت أجرة البريد مائة تالير، وأخشى أن تكوني مريضة، واليوم غدت نفسي من الحال ما وددت به أن أسير إلى بوميرانية ماشيا، وأراني عظيم الشوق إلى الأولاد وإلى أمك وأبيك، وإليك قبل كل إنسان أيتها الحبيبة. وصرت لا أعرف الراحة، وما قيمة شونهاوزن بغير وجودك، يوحي إلي خلو غرفة النوم وخلو المهود وصمت الخريف ذي الضباب بأنكم من الموتى، ويخيل إلي دوما أن كتابك القادم سيأتيني بسيئ الأنباء. ويحتمل ذلك في برلين، مع وحدتي فيها، ما دمت أعمل وأتكلم في اليوم كله، وأما هنا فيكفي ذلك لجنون الرجل، ولا بد من أنني كنت امرأ آخر فيما مضى حتى صبرت على ذلك.
وهنالك رزمة لها يفتحها ويسجلها فيجمل بعض الشيء فيقول في كتاب يرسله إليها:
Unknown page